والصبح اذا تنفس



ما كذب الصبح، تنفس:
بصوتك حين تفر نباهتي
بياسمين كفَّيكِ يؤز الحواس
الضوء الشارد من عينيكِ يشطرني
بفعل السحر من شفتيك /
تينك التنهيدة ما قبل الأخيرة

الذي أصبح وصياً





"سبعون ألف متشرد يتلقون طعاماً من أحد المطاعم مجاناً في بولندا*"


سألت صديقي:
- ما الذي يدفع صاحب مطعم في بولندا الدولة الإشتراكية لتقديم طعام بالمجان
لهذا العدد الكبير جداً من المشردين؟
وبدون أن يعمل فكره أجاب:
- لأنه إنسان، يشعر، يحس، يتفاعل، يتألم، ولأنه إنسان أيضاً.

صديقي الذي لم يعتد يكترث لشيء، منذ أن أسرج خيول ذاكرته،
أصبح رفيقاً للأحداث القديمة، يربط وثاقه مع الماضي.
أحيانا أعتقد بأن آلة الزمن حقيقة موجودة عنده وحده، وصدقت بأنها سرّه الذي
لم يطَّلع عليه غيري، وتجنبت إذاعته في حضرته.
من ورقة قديمة كانت محشورة داخل محفظته أخذ يقرأ:
(أستطيع أن أقول لكم أنني فكرت في قتل أحدهم - أي أحد - ولكنني
لم أجرؤ على القيام بذلك؛ ليس خوفا من الموت، بل لأني لا أريد
أن أقضي بقية عمري في سجن حقير، يحكمني نظام يقيد من حريتي
وإن كانت حرية على مقياس سجن كبير، كما قد يتراءى لأحدهم ..)

قاطعته:

- تلك حريتك كما يسيّرها ماضيك ..
طوى الورقة وأعادها حيث كانت، وأكمل مرتجلاً:
- هذه الفكرة انسلت مني عندما لم تجد عزيمة تضعها موقع التنفيذ.
وكي لا تتحول الأفكار إلى أمور عبثية لا جدوى منها؛
فكرت فيما لو أنني اشتغلت بالتدبر؛ كم شخصاً سوف أكتسب عداوته؟
فأنا حين أفعل ذلك، لا بد بأنني سأجوس عميقاً ، في ملامحهم، أماكنهم
طرائق تفكيرهم، كتاباتهم. وحتى لا يذهب ذلك التدبر سدىً
يتوجب علي أن أكون صادقاً مع الجميع، على سبيل المثال:

ذلك الذي خلق بأنفٍ كبير

لماذا هو كبير إلى هذا الحد المرعب؟ لا بد بأن خلف ذلك الحجم عقوبة
قد تكون مستترة أو لا تكون، وحينها قد يؤذيه سؤالي وكذلك تحليلي هذا.
وقس على ذلك المكان وطرائق التفكير والكتابات.

ضحك بسخرية وقال:

الكتابات.! هل كنت أدور لأصل إلى هذه؟
- ..
- إن كان أحدنا لا يجيد الكتابة، عليه ألّا يكتب كي لا أقرأ ،
لأنني أفترض أنه لا يفكر، ومن لا يفكر كيف يستطيع الكتابة؟
وأيضا خياله محدود ، ومن لا يمتلك مخيلة باتساع الكون
يتوجب عليه ألا ينبري لها.
فهو عندما يكتب (يوسّخ) المكان، سوى كان على ورقة أو حتى على جهاز الكمبيوتر.
والأدهى من ذلك أنه سرق من وقتي الذي لن يعوضني عنه بالمقابل الذي يستحقه.

أظن أنني شاهدت شبح ابتسامة حزينة على وجهه قبل أن يتندر:
- وإن كان وقتي غير ثمين إلا أنه أهدره بشكل يؤذيني.

لم أتعجب حينما أدركت بأن الإنسان الذي هو قضيته،
هو ذاته الذي تجاوزه بلا إيماءة،
هو من خلّفه وراءه يعيد طلاء جدران ماضيه





* مشهد وخبر في إحدى القنوات