ولكنها الأقدار




الكتابة ليست بالأمر اليسر على مثلي؛ غيري ربما يستطيع أن يكتب في اليوم الواحد مائة صفحة، أما أنا قد يستهلك مقطع واحد - كالأشياء الصغيرة التي هناك في المذكرة المشنوقة - ساعة من الزمن، والكثير من الرَّهَق.
أكتب ما أريده أن أجعلني أبتسم بعد قراءته، وهذا يعني رضاي التام عنه، وأدرك أني كتبت أشياء كثيرة لم تجُد عليَّ بذلك الرضى، بل البعض منها أهرب من قراءته كي لا أشتمني.
صدقوني لا استسهل الكتابة، وفي الوقت نفسه أعي أنني استعجلت التدوين في وقت كان يجب أجعله خالصاً للقراءة ليس إلا. حتى الإصدار الذي قد يرى النور قريباً؛ لا أخجل من القول بعدم رضاي عنه، ولو خيرت بينه وبين ما كتبته في هذا المتصفح، لاخترت طباعة المذكرة المشنوقة على طباعة ذلك الاصدار. ولكن هي رغبة صديق لا يُرد.
هنا كنت أكثر نضجاً وثقةً وتمكناً. ولكنها الأقدار تهب من تشاء ما تريد.

الكتب وما أدراك




بعض الكتب مؤذٍ بطريقة بشعة، للحد الذي يجعلك تلعن نفسك
وآخر يشبه ( الكلاليب) التي تشد ذاكرتك وينز منها الحنين
وأقساهم ذلك الذي يعريك ويصلبك في البرد فلا تملك إلا أن تهرب منه قبل أن يأتي عليك

عزمت ولم أفعل




كنت قد عزمت على إكمال المقطع السابق ( الرجل الكذبة..)
ولكنني أصبحت شحيحاً في الكتابة، أعزو ذلك إلى ركوني للقراءة.
في غمرة القراءة مرجل رأسي يغلي، والأفكار تفور، والمخيلة تشد السحاب.
أتوقف عن القراءة فتتجمد الأفكار،أحاول مراوغتها،
كأن أقفز من فوق السرير وأباغت سبات دفتري وأدوِّن الفكرة قبل أن تهرب.
تقلقني ذاكرتي الخريفية التي لا أستطيع التحايل عليها؛
فأعاصير النسيان أشد ضراوة من كل محاولاتي البائسة.
ماركيز كتب"عشت لأروي"
هل هناك من عاش ليُروى؟
أسفل الصورة الرمزية عبارة (ما سيكون)
إذن لم أكن بعد، ولكن ماذا سأكون؟
أستطيع أن أكون (عاش ليُروى)، ولكن الأمر أعسر من مجرد شطحة خيال.
عليَّ أفكر بصيغة (كيف سأُروى؟)
لا أعدكم بأني سأخبركم بذلك، ولكنني أعدكم بأنني سأُعمِل فِكري.

أنواع الرجال




الرجل الكذبة.. يتعمد الصفة، ويستعير قميصها ويدلّس حقيقة المنخل كي يواري الشقوق.
خلفه المزاريب والكروم والرياحين الملتفة، كلهم نائمون.
الرجل النار.. يتحملقون حوله، يشاكس الفراشات، يتوجس من شغب الماء.
الرجل الشيء.. تدك مطرقة الأوهام ذاكرته، تتجلى المستحيلات وكأنه المؤمن الأوحد.

سحقاً



ماذا تغير بين عمرين؟
لا شيء، سوى أن الخوف استفحل
ولما يشِخْ،
ولكن القلب الفَتيَّ يعاند سنديان العمر القادم
مبلَّلٌ بالحياة، يرتاد الحانات بعد أن هجرها الأشباه
كصبوة جاهل يقفز من تل ويتلقاه جذع هرِم
أو نونٍ جائعٍ يبتلع الرمل

الوحده





الوحدة قد تكون ضريبة يتم دفعها مقابل كل الصخب الذي أفرغ الروح
حتى ونحن معهم تغمز ذاكرتنا، وتنشب أظافرها، وتطوقنا مراياها

!






أنا الآخرون، وحدي أنا !!

كتبت إليه




كتبت إليه بعد لؤلؤة وحلم ..
للشوق انهمارات أشد من اندفاع السيل، وشوقي إليك كنهرٍ يفيض
وأوقن أنك لم تفطمه ولن يرتخي وثاقه
وأنك ستدير بوصلة ذاكرتك تجاهي
حينما تحسم مواعيدها الموقوتة
كما تريدها أنت/ كمواسم الحصاد
ومع ذلك أشتاقك قبل القطاف، وحين تثمر، وبعد أن تنضج أيضاً

ولو بعد حين



لم أخبرك بأن هذا الكون على اتساعه ليس إلا ثقباً صغيراً
وأن المخدر الذي نعتاش منه لوثته الأمنيات الكاذبة

الحقول الجرداء حتى الجراد بات يخشى المرور بجوارها
ومدينة الوهم تضخمت أثداءها
وأنتِ؟
أنتِ الأغنية المهاجرة سكنتِ حنجرة الغياب

وأنا طائرك المغرّد خطفني نسر جائع
أسلمني قمة جبل اعتاد صفعات ريح عاتية

والزمن الذي عفّر ذاكرتي وسط خرائب النسيان
ما استطاع محو دمامل الأسى خشيت أن تنزّ فرحة مسروقة على شاكلة قبلة

فلا عليكِ ولا عليّ ..
الزمن ذاته سيدمح كل أشيائنا المرهقة ولو بعد حين

حالة حب !



اشتقت أن أقول صباحك خير صباحك أنا
صباحك غفوة ضميرٍ مؤذٍ
صباحك
صباحك سهرة العليم بأحفاد قلبه الكبير
يسرحون بلا تقطيبة الجبين
أو نذير يقلق براءة أعينهم الجميلة
صباح سمرة عاشقين بلا عذول
صباحك عتب الحقول و دِلِّ غيمة يمنعها التشهي
صباحك أنت حين تكون أنا

انسان يائس



قال لي:
ليس هناك ما يبهج..
القراءة، الأفلام، الموسيقى، الجنس، اجتماعات الأصدقاء
كل ذلك أصبح فعلاً روتينيا يخلف بعده كومة فراغ مؤذٍ.
لم يبق إلا التأمل، لولاه لأصبح العالم كئيباً والحياة فزّاعة.
صديقي يرى الكون بمنظار ضيق،
كلما سقط مرة انزوى وضاقت الرؤية
الماضي يؤثث ذاكرته، يقول:
اليوم غشاوة، والضباب غداً، حلمٌ مخيف، ذراعاه تطبقان علي، لا فكاك، لا فكاك.
بالأمس كنت طيراً، واليوم شبحٌ يتهادى. رغيف القلق ابتلعه في أربع قضمات ووحدي أفعل ذلك ..

وبإيماءة مني ازدرد بقايا حديثه،
وبأخرى منه ركبتُ أول الطريق مبتعداً عنه

ما آلوا إليه !




حينما مَرَدوا على الحزن ، سرق الماضي ذاكرتهم

هذيان



وكأنها خفرات الوحدة بين انغماس كلي في الشيء والشيء الأوحد بينه وبينه
وبين العلو داخل ركام الوهم،
في تلك المسافة المشدودة بين الأنا والأنا.
في الزحام المباغت وسيل التوحش المتدفق ساعة يقتلعه من بين الجموع
بين الصمت المستديم وشغب أظافر الكلام الذي لا ينتهي والشفتين اللتين لم تنفرجا

الأعين التي تتلصص عليك




التميز أحيانا يكون عقبة، أحياناً تتمنى لو أنك ذلك الرجل العادي الذي يسير بين الحشود ولا يلتفت إليه أحد.
يحدث أنك تريد أن تقول شيئا عادياً، نكتة، أو تشتم بكلمة بذيئة ربما، أن تصرخ، أن ترقص ابتهاجاً من أجل شيء ما، تريد كل ذلك، ولكن تلك الأعين التي تتلصص عليك، وترى أنك شيئاً غير عادي مثلهم، تجعلك تزدرد كل أشيائك الصغيرة وتلعن تميزك في تلك اللحظة التي احتجت فيها ألّا تكون، ولم تستطع.!

صندوق الذاكرة



طالما أني شعر أني بخير، وأن مثل هذه الأجواء يندر أن تتكرر، سأخبرك يا صديقي أنني في هذه اللحظة:
أشتم الحقيقة، وأصب حنقي على المثاليات والأشياء الكبيرة التي تراقب خفراتي،
والظن السيء الذي يلكز انتباهتي ، والشك - ذلك الرفيق الممقوت - الذي ما يفتأ يدير بوصلتي تجاه أشياء سقيمة اعتدتها بفعل التقاليد، للحد الذي جعلني أغذي أمنيات السلام برجاء متكرر، كمعدم ينشد رشفة ليس إلا.!
يبدو أن العمر السابق سرق كل المجانين الذين خبأتهم في صندوق الذاكرة الغير أمين، فأضحت كل الطرق تؤدي إلى الخوف أو الغياب

من أشتاقها !



من سواك يعلم أني أخطف من الذاكرة أغنية تشبهكِ ليتبخر وجعي
ويعرف أني بمنفاكِ أطمس خارطة الحزن وأنقر رأس القلق
وأني أدير ملامحك حيثما يمَّمت فيهزمني زفيرك
وأشتاقك.

أعبُّ من أنفاسك
وأشتاقكِ
يلفحني الصدود ويفتتني الصبر
وأشتاقكِ

يا أنتِ التي بلا ترياقٍ
لملمي جزعي

يا أنتِ من أشتاق ..
ليتكِ تكتبين بمداد الحلم أمنيةً:
لو يأتِ حافياً منهن؛
أسجنه بين ضلعين كآخر قصيدة يتيمة
لو يجيئ فارداً ذراعيه؛
احتويه كأنثى الخوف تبدد روعها


يا أنتِ من أشتاقها
ما أنا؟
!