قطعة الحلوى



يقسم ذلك الذي أنقذه بأنه كان يرى دموعه تنزل حين كان مغشياً عليه
ويده تشير إلى جهة ما. عمل على إنعاشه، فأخذ يفيق تدريجياً
وانتفض وحاول النهوض بشكل سريع، مما تسبب في جفول منقذه
ولكنه عاد وسقط متألما، أعاقته قدمه المكسورة، فأخذ يجر
جسده على الوحل ويصرخ
بشكل هستيري: أبنائي أبنائي، حاول الآخر طمأنته، ولكنه شرع
يتوسل إليه بأن يأخذه إلى سيارته.
بعد أن تاه بين الحطام متوكئاً على منقذه، عثر عليها مقلوبة بين أخريات.
أغشي عليه مرة أخرى، وعندما أدرك حجم الفاجعة،
حاول أن يقاوم ذلك المنظر البشع لسيارته
ولكن صغاره ناموا ليلتهم الأخيرة
ريم مازالت ممسكة بقطعة الحلوى التي دسها في يدها خلسة

أزيز ذاكرته أنهك مقاومته، وصوتٌ آتٍ من البعيد يخطفه من لحظته تلك إلى:

بعدين ، بعدين ، بعدين.
الذهاب إلى مدينة الألعاب التي وعد أبناءه
بأخذهم إليها يتراءى له وكأنه قطعة من العذاب يسوقونه إليها. يكره الأماكن المزدحمة
وخاصة إذا كانت للأطفال، عوضاً عن خوفه عليهم من بعض الألعاب هناك.
لا يفتأ يتذكر تهشم أسنانه عندما كان يلعب ( سيارات الصِّدام ) في صغره،
حين اصدم به أحدهم من الخلف على حين غرة.

تؤذيه نظرات الحزن المفتعل التي ترمقه بهما ريم أحب أبنائه
الأربعة، حاول أن يماطل
ولكن ريم لم تمنحه فرصة وأخذت تقفز وتردد ( رايحين الملاهي، رايحين الملاهي )
هنا لم يجد مناصاً من تحقيق رغبتهم، أمرهم بأن يسرعوا بالتجهز
قبل أن يغير رأيه، وأخذ يردد بينه وبين نفسه متقمصاً
دور الحكيم " أن تكون أباً يعني أن تعمل من أجل رفاهية وسلام
أبنائك "

وفي وقت وجيز كانوا جميعهم متحلقون حوله استعداداً للرحلة.
غمز لريم ودس في يدها قطعة حلوة ووشوش لها بألا تخبر إخوتها.

تكتكة المطر على زجاج سيارته أنعشته وكان لابد أن يشاكسهم، تظاهر
بالغضب ووجه حديثهم إليهم:
- هاهي تمطر وسوف تتسخ ملابسكم وكذلك السيارة الجديدة،
إذن لا بد أن نعود إلى المنزل ونؤجل الرحلة.
تعالت أصواتهم المحتجة بما يشبه البكاء ( الله يخليك يا بابا ما نبغا
نرجع البيت )
ضحك لمنظرهم البائس، وأعلمهم بأنه سيكمل الرحلة حتى لو
داهمهم السيل، مما جعله يسائلهم مازحا:
- لو داهمنا سيل ماذا ستفعلون، وأنتم لا تجيدون السباحة؟
ضحكت ريم هازئة:
- (يعني إنتا اللي تعرف ! ).

صوت الرعد كان مخيفا له فكيف بأبنائه الذي صمتوا فجأة
أخذ يردد ( سبحان الذي يسبح الرعد بحمده من الخوف ) وكانوا يرددونها وراءه كيفما اتفق.

ساوره القلق عندما وجد الطريق مزدحماً على غير العادة حتى أنهم
مكثوا قرابة الساعة في نفس المكان، حزم أمره وطلب
من زيد - أكبر أبنائه - أن يقفل الأبواب من الداخل وأن يلزموا أماكنهم
حتى يعود، قرر أن يذهب إلى الأمام ليرى ما السبب في كل هذا
التعطيل، خاصة وأن آخرين بجواره فعلوا نفس الشي، مما شجعه على التقدم.
هدد أبناءه بأن من يشاغب منهم سوف لن يحظى
بفرصة اللعب في الملاهي، سار بخطوات متسارعة والأفكار تتناوشه والمطر يهطل عليه بغزارة والريح تكاد تعيده إلى الوراء،
وكان أغلب ظنه بأن حادث اصطدام سيارتين هو من أغلق الطريق أمامهم، أخذ يردد:
- اللهم سلّم سلّم،
ولكن اندفاع السيل تجاهه صمّه عن كل شيء.
لوثة جنون هزّت أركانه فرَقاُ على أبنائه، حتى وهو يغرق
كانت يده تشير إلى الوراء حيث ترك صغاره.

!!



الوفاء كعادة رتيبة يجعل الذاكرة تجامل الموتى،
تربِّت فوق أضرحتهم،
حتى تأتي سيول النسيان وتجرفهم بعيداً

قِطَعُ استفهامٍ هشة



لماذا أبدأ معكِ - دائماً - بنفي أو استفهام،
كأن أقول: لَم توسديني صوتك هذا المساء
أو: لماذا انفرجت شفتاك ولم تنبس بـ أحبكَ منذ مكالمتين ونصف لقاء؟

تارة أخبئ شوقي وتجيء (لاء النفي) حداً يفصل بين الهيام والجنون

وتارة أدير وجه الكلمات وتتكوم اللهفة بجانبي ويخمِدك عبوسي المفتعل

استفهامتي التي تكظمين غيظك عنها تلك منعطفي الأشد سخونة
حين تزيح الآهات لتدس رأس السؤال في عمق مرارتك
ها أنا أقفل على أبواب (النهي) كي لا يسبقك شالك فلا أدرك بعض ظلّك

ليت الشتاء الذي علمني الانتظار
يقذف بي خارج آطامه، بمحاذاة شفتيك
وأتكوَّر فيه كطفلك المدلل أقيس المسافة ما بين زندك ونحرك


حزمت أمر مزاجيتي فأضحَتْ كـ بيانو عتيق خضع لرقص أصابعك
يمَّمْت جداولي شطرك ، وحين شذَّ ذراع بترتُ حلمه القصير
هيأت ذاكرتي لسباتٍ شتويٍ لا يوقظها سوى هديلك وشذى ياسمينك

ما أنتِ ../
من أنتِ بعد أن كفَفْتُ النفي لكِ
وقضَمْتِ بين شفتيك على قطع الاستفهام الهشة

بل ما أنا لو ساقطتِ كسفاً من روعك
من هجيرك

أو من أنا
إذا ما غشاني النهي وسالت حماقة الثلاثين
إذا ما اكتويتِ بالنصف الفارغ
إذا ما (حوقلتِ) وأثنيتِ ركابك
واستوى الطريق
؟

ماذا لو !!




أن الصواب خطأ نتحاشى الوقوع فيه رغبة في التطهر من خطأ آخر اقترفناه ولم نعد نميز بينهما
وأننا أصبحنا نؤَوِّل الخطوة القادمة بما يذكي الرعب في دواخلنا

الوحده




ليس على الوحيد غير التثريب
يعتاش قلبه على الأوراق المتساقطة من شجرة شقائه
تؤثثه الوحدة على ما يتشهى الجوع
يرمق تاريخه بعين وَجِلة
يدس الخوفُ - من المجهول - بذورَه السامة في جيوب ذاكرته
وفي الشوارع الخلفية للحياة يتسكع بعكاز وَهْمٍ وقنديل حلم


الرفاق خلفه ينزلون ملامحه من ذاكرتهم
يعرضونها في مزاد خيري
يتحايلون على العابرين
وقبل أن يحجز الملل مقعده
ينسلّون خلسة من أمامها
تشيّعها لا مبالاتهم


يعرف سوءته
يرخي وثاق صبره
يتدلى على حواف الجنون
يتحين ميعاد سقوطه

تائـــه




ماذا أفعل؟
في الأسفل متسلل
يقلق حُلمي
يتبنى فكراً ثورياً

أرفع كفي كي أردعه
يتوسل ألّا أُوجعه


في الأسفل متسلل يعبث
يكسر باباً
ينثر زادي
يفقأ عينه
يرجوني نجدته

في الأسفل متسلل يصرخ
يلعن سكني /
يشتمني
يستجدي لقمة

يحزنني منظره
يسخطني ما يفعل في بيتي


أم المتسلل في الأسفل تنذرني
تقسم أن تحرقني
قالت
كل الأرض سبيّة ابني

في الأسفل عائلة مجنونة
تحرق حقله
من في الأعلى ..
ماذا يفعل ؟
!

المرض




حياة صغيرة في البرزخ
كنشيد اصبع يتعلم العزف على آلة قلق وتَري

حقيقتك !!



في ممرات الذاكرة لا يقيم سوى المرَدَة والتافهون.!
أخبرتني أنك تعيش كي تدخر ذكريات مثيرة تصلح لحكايات تمتلئ بها القِرب الصغيرة التي ستنصت إليك
ولكنك نسيت بأن ذاكرتك عقيمة، وبأن الحكايات رجع صدى قديم، مكرورة كأوهام البسطاء الذين قضوا نحبهم يحلمون بالخروج من الأزقة الضيقة التي ما عادت تحتمل تكدسهم كالصناديق الفارغة
أنت تعلم بأنك لست سوى نسخة رديئة لناقلة تقيأت حمولتها بعد أن تاهت في عرض البحر
وتدرك - جيدأ - بأن العواصف لن تدعك قبل أن تصفعك بشدة إلى الحد الذي يجعلك تفضّل الغرق على أن تظل نهباً لأملٍ لن يتعرّف على ملامحك، علاوة على أنه سيسخر من ضعفك، ويتندر على جبنك الذي صلبك حيث أنت في آخر القلاع المهدمة، فالأجدر بك أن ترحل غير مأسوف عليك!

ما هو المنطق ؟؟




أن تفتش عن الإشارات المخفية والمغزى المستتر لتفكيك الحالة بكل الوسائل المتاحة.
ماذ نفعل إذا لم يعد الصبر مُجدٍ؟
ننتقم بارتكاب جريمة في حق آخر أنهَكَ الصبر
فأولئك الذين جعلوا من الصبر وسيلة للظفر بأشياء أعظم؛
نعجّل لهم بلوغها، فنصيب - جميعنا - ما نريد
هل يعني ذلك بلوغ ذروة اليأس؟
لا. بل الخروج عن النسق التقليدي في معالجة الأشياء
الاستفراد في الحلول، أو لنقل الشذوذ عن الجماعة
وبما أن الموت ليس بغاية والحياة ليست منتهى
يصبح التمرد فعل مقاوم للصعود بين الاثنين
أنت لا تضمر الذهاب إلى الموت بإشعالك لسيجارة
بل أنت تعُبّ من الحياة على طريقتك التي قد تشير إلى دخولك إلى نفق الموت
مع أنك تعلم ذلك إلا أنك لا تنويه بالكيفية التي سرقك بها الطريق
!

يـــا أنتي





أفتح ذاكرتي أبعثر أشيائك الكثيرة
حلمٌ خريفي يتكئ في زاوية مهملة
كلماتٌ ساذجة تكنس أرصفتها
وُعودٌ جافة تسند ظهرها بجوار حنجرتها

أفتش عنكِ ويسبقني يأسي
كومت السخط / ولملمت قلقي
احتميتُ بكِ ونهرت الشك

ساءلت المنفى عنك
فاحتجبت عيناه

مشطت شوارع المدينة أرقب ظلّك
سال وادي العتمة وراعني صوت البوم

عشرة أعوام




منذ عشرة أعوام وأنت تصارع من أجل كائنات لا تعبأ بك
تدرِّبهم على الحياة ويسقونك الموت الزعاف
لو أنك خنت مبادئك وشربت على أرواحهم نخب البقاء
لو أنك ردمت ذاكرتك وخطوت خارج دائرة السوء فرسخاً
لو أنك ألقيت بمعصمك في المغتسل البارد وتطهرت منهم
لو أنك أطفأت بقايا ملامحهم وقطعت حبلك السري
لو أنك ابتلعت ضميرك وضحكت على نكتة معتقد سامجة
ولكنك لم تفعل
!
!

الكآبة !!






لا تكنس رأسك؛ شجرة الكآبة هزّت أوراقها

منعطفات



هذا العالم مليء بالأشياء السيئة؛ فلماذا تنتظر من الآخرين أن يثبتوا لك ذلك
أنت لا تحتاج لإدراك مدى السوء قدر حاجتك للتخلص من النوايا الطيبة عند كل منعطف

حزن




الحزن وحده لا يكفي
عمل الفأس في شجرتنا فنام البسطاء مكان الجذور
سيموت الفقراء غداً وما ابتلت عروقهم،
سيلود ألف كسيح بلا عربة
مات الضوء واليد ذابلة بلا أصابع

تعريفات



منتصف النفق
أن تفكر أكثر وأن تأتي جرعة الألم مضاعفة


والعزلة نفي للوجود
أن يتقشر الوقت كجدار منسي
وتخزن الثمار وتذوِّب الفصول


الوحدة
بوابة الغياب الأخير
أن تصنع تابوتا وتموت بهدوء بلا وصية

الصدمة




هروب من رحابة العزلة والدخول في نفق الحياة
كالتحسر ما بين الصبا والمشيب
كجزع الغارق وتيه ابن الثلاث

صباحات

الصباح كسرة خبز مبللة
وتنهيدة شيخ وقور
شيخٌ فتته العقوق وهذبه الصبر


المكان بئر عميقة
والصوت يتكسر
في أعين الأعشى

بين المدى والرِّق
كائنات سائبة
للربيع مُدَّت
حصادهم سراب

هنالك ..
سيدة مكلومة
تدعى وطن
أبناؤها النسيان
ملامحهم ضوء فاتر

أحلامهم
مدن جفاف حائرة

آمالهم
أخاديد من الخذلان

عزلة الأصابع




قبل سنة كانت تلتف يدي لتطوق خصرها واليد الثانية تعبث
بأزرار (الجوال) لأرسل رسالة لأخرى تحفظ أصابعي مقاس خصرها بدقة
في الوقت الذي تتكئ هي برأسها على كتفي وتثرثر
في الوقت نفسه استدعي صوت تلك الأخرى
أما هي فقد كنت أمعنت في نسيان خصرها وعلمت يدي النكران
أحياناً كانت تكتفي بالإيماءات، فلا شيء يستحق تبذير الكلام
عققت خصرها وهجرني صوتها

الأخرى كانت تعبُّ من عزلتنا لتنشيء مدينتها
كلنا يؤثث عزلته بهدوء
أجسادنا تواطأت معنا، لم يعد يضمنا سرير واحد، كلٌ منا ينام في غرفة مستقلة
طاولة الشطرنج هي المقبرة الوحيدة التي تجمعنا ثلاثتنا
لا أتذكر بأن الترتيب اختلف ، هي تهزمني وأنا بدوري أتغلب على الأخرى
تعودنا كل يوم جمعة نجهز غداءنا ونتجه للحديقة، في الذهاب هي من يركب بجواري
والعودة تستحوذ الأخرى على المقعد وبترتيب مسبق بدون أن يتفوه أحد
تم الأمر هكذا باتفاق مبطن لم نصرّح به
عندما تغادر إحداهما المنزل لأي سبب كان، أذرع الشوارع على غير هدى
حتى تعود، كي نعود معاً
عندما يشعران بأن الصمت يكاد يفتك بهما، يبعثان إلى برسائل على
الجوال، أو نتحدث عبر المسنجر، بكلمات مقتضبة، آخر محادثة كانت الفيصل لكسر جمود العزلة المفروض طوعاً، بعدما شقت - هي - قميص صبرها
- متى
- لا أدري
- لم
- لا يهم
- أها
- ..
- إن ذهبتُ لن أعود
- إن ذهبتِ لن أعود أيضاً
- وهو كذلك
- وهو كذلك
عندما استبد بها القهر كتبت إلي:
( أنت رجلٌ أناني تعقد صلة وثيقة مع الماضي تنسى أن حاضرنا لن
يتكون بدون أن تهيل التراب على ماضيك ، فمتى ستفعل؟)

أحلت رسالتها إلى الأخرى وذيلت تعليقي أسفلها:
- هل تعتقدين بأنها أنثى فارغة؟
ردت علي:
- أنسيت بأنك قد مت العام الماضي، فلماذا لا تطلقني

بشراً عصيا




اقترفت معصية الغياب
خطيئتي التي ذرتها الريح في عينيك
فتمثلتُ لكِ بشراً عصياً

ذاكره




ما تعلمتِ كيف ترتقين قميص صبرك
فماد بكِ الوجع

نسيتِ أن تسدلي أشرعة النسيان على ذاكرتك
فتجمدت عروقها بين أمسين

هممتِ بالصراخ ، نام الصبار في حنجرتك

الكتابه




في زمن يقتات السارد فيه بقايا أوهامه الكبيرة ، وتتكسر أحلامه على صخرة التجاهل
تصبح الكتابة شيء من الترف لا يحق لأمثاله ادعاءه، أو التمسح به
من لا يمتلك معولاً يتوجب عليه أن ينام على الحصير ويخيط شفتيه ويشعل النار في أنامله

فلا عزاء للغرباء !!




الإيمان لا وطن له، الإيمان وطننا الأوحد
ولأننا غرباء في أوطاننا فلا ضير إن قست علينا وألقمتنا الذل
نؤمن بأن الوطن حلم جميل لن نفيق منه قبل أن يرتكب في حقنا أبشع الحماقات
"ويا غريب كن أديب"
فشكرا أيها الحلم الجميل .. هذبت أتراحنا ، ورتبت لنا فصول الوجع كما يليق بالوطن
فلا عزاء للغرباء

غربة



إني هنا أرسم للغربة لوحة بعد لوحة
وأجسّد باطنها بين حياتين
أمهلني يا قدري ..
بصري أعشى
وإعاقة قدمي المفتعلة
يشمت منها لسان الباب المفتوح

الحياة




إلى أين تمضي بنا الحياة وكل شعاب المعدمين نهايات معجلة
أيها العقل احترس؛ اليقظة تنُّورٌ أخرق
أيا فؤاد الكاظمين في البدء مرتجع النوازل

أيها الإنسان غرّب قنديلك كي لا يذوي
كي لا تحفر قبرك قبل الميعاد بعام ونواح
وقبل الضوء بومضة
بين سرابَين يتوه النصف الأعلى
وبعد السكرة بصفعة جاهل
!

وطني




في يوم الوطن أمنيات معلقة ليومٍ آخر
في يوم الوطن فتشت عن الإنسان البسيط أسقمه الانتظار
في يوم الوطن نسكب آمالنا ألّا يؤجل الحلم كما كان يفعل
في يوم الوطن نصلي كي لا يغرق الضعفاء وينساهم الغد
في يوم الوطن كنا أعمدة وكان السماء
فيا رب السماء حنِّن قلب الوطن
في يوم الوطن كان البناء وكنت أنا
فيا ربي لا تسقط البناء على ورق

" الفاشلون هو من يستطيع أن يجعل الحياة جميلة " *



هل كان يجب أن تصبح فاشلاً
كي يتمدد حلمك وتتخلق أوهامك عنبراً وقصصاً قصيرة ممتعة
وتغدو الذاكرة حقلاً
والنهر الموشوم بحمرة الورد يغازل غيمة روحك
لتساقط أملاً جنياً؟

*انطونيو بانديراس في فيلم The Other Man

صوت



انطفأ الصوت
ماعاد يستدل طريق سفره
الصوت سهوة أرق
يتفش عن أناه
ويحترق

الماضي



لماذا الماضي ينشب أظافره في حلقي ويستثير مكامن الدمع
من علمه الوفاء ووثق عرى الوصل بينه وبين ذاكرتي
التي لا تفتأ تسرق الآهة من شفتي ويبلسني الحنين كآخر قطعة رداء
وأحبو كطفل يلهو، دسَّ مسمارا في فمه خلّف له رعشة
وعلمه كيف يوقِّع نهاية سيرته التي بدأت مع آخر التفاتة شغب

أحسن شيئ !!




مات أسعد . الطيبون يرحلون مبكراً وجداً أيضاً.
تكتشف بأن الأمن أحد حكايات السراب،
وفي لحظة يتحول أحدهم من كائن حاضر
إلى مطرقة تدك ذاكرتك وتجد بأنه استحال فعلً ماضٍ موجع
ولن يعود أبداً
ولا أحد سيقنعك بأن الخروج النهائي ليس إلا قدر محتوم
وأن ذريعة الأسباب وهمٌ مهذب
يا لسواد قلبك المتعب يا أسعد لم يفقد لؤمه،
وسبق كل الخطط التي وضعتها لأجله.
ماتزال ضحكتك الودودة تلكز مآقيَّ قبل أن يبتلعني باب دارك المنهك،
الذي قلت بأنه لو قدر له أن يتحدث
لاستجداك عتقهُ رحمةً ببؤسه الذي استعار أخاديده من ملامحك.
عندما ألححت عليك بالذهاب إلى المستشفى علّ أن تجد حلاً لضعفه
رددت: (أنا لاقي آكل عشان أروح مستشفى)
- أنا سأتكفل بتوصيلك إليه وإعادتك
ودفع مصاريف دوائك إن كتب لك الطبيب شيئا.
- لا تدعنا نضحك على بعضنا البعض
فعلى الأقل أنا رجل وحيد بقلب لن يصمد كثيراً
ولا رغبة لدي بخوض رهان مع قلب آخر
قد يقترحه ذلك الطبيب،
عليك أن تهتم بأفواه ( التنانين) التي تستعمر منزلك
بدعوى الرعاية والمسئولية
وأنت مجرد عامل بسيط على وظيفة تافهة تسمى
ناسخ آلة، مع أنها بدون آلة ههه
فدع قلبي وشأنه فذلك: أحسن شي.
تلك جملته التي لا تفارقه، فكل الأشياء عنده:
أحسن شي، حتى أسوأها.
نهضت لأعمل شاياً لنا، ابتدرني بضحكة ساخرة :
- لا يوجد ماء
تعجبت وصببت جام غضبي على مصلحة المياه
فقاطعني ضاحكا:
- لا ذنب لهم فلقد أصابتني حمى بالأمس
ومن شدتها أخذت أزحف من الغرفة إلى الحمام
في نصف ساعة ربما،
فقلبي المدلل كان لا يتنازل عن أخذ حصته من الراحة كل ثانية.
وبما أني لا أمتلك حوضاً (بانيو)،
فقد كدت أسجد شكرا لله على ذلك
ولكن وضع الزحف أعتقد أنه عبّر بشكل جيد،
كان كل ما احتاجه هو أن أفتح الصنبور وهذا ما فعلته،
وأخذ الماء يتقاطر على رأسي ورقبتي فقط
فوضعية الامتداد لم تكن تسمح بالوصول لأبعد من ذلك
ونمت أو أغمي علي، لا أدري،
الذي أعرفه أني صحوت ونهر عرق بارد يسيل مني
وأنا منكب على وجهي تحت ( الدش ) الصامت
ولك أن تخمن مابقي.
قررت أن أحضر عدة جوالين ماء بعد أن أملأها من بيتي،
ويبدو أني لم أتنبه إلى أن انقطاع الماء كان دلالة لأمر
ربما يكون: (أحسن شي)، في وضع شخص مثل اسعد
مع أنه أورثني حزنا لن ينتهي.
استدرجني حنقي إلى مساحات خيالية حمقاء
فكرت فيما لو أنني كنت في وضع أسعد
لبحثت عن حل شرير لهذه الحياة، فعلى سبيل المثال
أصنع مدخلاً جيداً كأنه أطرح السؤال التالي:
-لماذا أعيش؟ وهل لو استأذنني الموت في القدوم سأرحب به؟
بل يجب أن أرغمه على المجيئ بالصورة
التي أختارها أنا وفي الوقت الذي أريده
مع اشتراط أن يكون موتاً صاخباً
وقد أتمادى في الأمر وأفتش عن طريقة أخرى كأن أتخيل:
لو أنني تحسست موضع ظلي وقبضت على رقبته وخنقته بقوة
ألف رجل وقتلتني. لا، لا، هذا خيال فاتر.
ولكن ماذا لو أنني خطفت طفلاً غريباً عني
- كان مستقبل والديه والغد المشرق لهما بعد عقم عشر سنوات -
وقمت بتقطيعه وتحويله إلى وليمة أدعو إليها جيراني وأصدقائي
هكذا سأضمن حكما بموت سريع لن تستطيع أموال القبيلة كلها
درأه عني. هذا حل جيد، وقيمة الوجع في أعلى وتيرتها،
وسأكون حديث المجتمع بأكمله، سأغدو مشهورا
ولكن ذلك يحتاج إلى مجهود كبير في البحث
عمن تنطبق عليه مواصفات الضحية،
ولا أمتلك (سيارة) لأقوم بالمهمة بشكل احترافي.
الحياة تشعرني بالعار، ومحارب الساموري
كان يقتل نفسه في لحظات مثل هذه،
ولا أدعي بأني محارب مثله ولا أريد أنتهي كما يفعل هو
- حينما يموت وحده مكللا بالشرف كما يعتقد –
بل لا بد من وجود ضحايا،
وتحديداً الضعيف منهم، وأعتقد أني أستحق الشكر،
فأنا أسهل عليهم العبور دون أن يقضوا أعمارهم
يكافحون ويناضلون في قضية محسوم أمرهم فيها،
ومعلوم أنهم سيهزمون وتصيبهم أمراض وعلل شتى.
وإن كنتُ لا بد فاعلا؛ فعلي أن أقدم شيئاً كصدقة
يتذكرني فيها هؤلاء الضعفاء في العالم الآخر.
وعندما أقلص عدد المضطهدين في الأرض
فإني أقدم خدمة للبشرية، ورسالة مفادها:
إن كنت تعلم بأنك ستبذر عمرك في الدفاع والتحسر
على الظلم الواقع عليك؛
فافعل ما يقيك نوبات الصرع و اعتياد الكآبة التجول داخلك .
والذي قال بأن الإنسان هو من يصنع نفسه،
كان يعيش في زمن وحوشه أكثر وداعة وإنسانية،
ولم يعد هناك إنسان يصعد السلم من أوله،
وأنا لستُ وحشاً ضاريا،
ولا رغبة لدي في خوض حروب قد أكون أعلم مسبقاً
عدد الهزائم التي ستأتي عليَّ وتكسر أرجل السُّلم.
عند هذا المشهد تذكرت بأن قلبي الضعيف
سيكون عائقاً أمام تحقيق كل ذلك.
جاءني صوت زوجتي من داخل المطبخ وهي تتأفف:
- البلاعة( البالوعة ) مسدودة وبدأت بالطفح
وجدتني أهمس في شرود:
- أحسن شي !

يعوي عارياً



كانت تبكي وكنت محصوراً . نسيت بأني كنت أقتلها. نهضت مسرعا
وشعرت بألم شديد فاضطررت لأن أتكئ على الجدار حتى وصلت إلى دورة المياه، راعني بعدها اللون الأحمر. غادرت بعد ذلك دون أن أخبر بشرى. الذعر الذي أصابني فتح لي منفذاً واحداً يشبه الهروب من الموت. اتجهت من فوري إلى العم سعد، ذلك الكائن الغريب، الذي أمقته وفي الوقت نفسه لا بد أن أعرج عليه أكثر من مرة في اليوم الواحد، ولا أعلم لماذا.الطريق إلى منزله يأخذني عبر أزقة ضيقة وكلما اقتربت منه أشعر بتسارع خطواتي وكأن قوى خفية تجرفني نحوه حيث يسكن آخر الحي، كأنه اختارأن يكون البدء منه والمنتهى إليه .كعادتي أركل الباب بقدمي , لم يصدف أن وجدته مغلقاً، أدخل إليه بدون سلام وأتخذ مجلسي بعيداً عنه وأمسك ( بالريموت ) الذي أجده دائما حيثما أجلس، لا أدري إن كان هو من يتركه لي هناك بعد كل اتصال أجريه معه أخبره فيه بمقدمي أم أنه لا يشاهد (التلفاز ) . كالعادة، يبدأ ثرثرته حول ماذا فعلت وأين ذهبت ومن التقيت، وأجيبه كعادتي بإيجاز، وأتركه بعد ذلك يملي نصائحه أو يعود بذاكرته لمواقف شبيهة بتلك التي حدثته عنها، أو يسرد علي بعض حكاياهوحينها أكون انشغلت عنه بتقليب القنوات. في غمرة متابعتي لأحد البرامج انتبهت إلى صوته وهو يقول:
- أعلم بأنك ستعود، ولكن ليس قبل أن تنبت في عقلك شجرة الخطايا.يا بُني طينتك طريّة لم تختبر بعد، الشر هو أنا وأنت. إذا لم تنغمس في الشرور لن تستطيع إدراك معنى أن تكون حياً، لن يمكنك فهم المعنى الحقيقي لكلمات مثل أعيش وأتنفس، لن تفهم معنى أن تتخلص من خوفك، وتخلع جلدك الذي ورثته من دون خيارات متاحة، وأن تعود روحك إلى الأصل بعد ذلك، إلى فطرتك ، طينتك الأولى، معدنك الحقيقي ..
كنت أستمع إليه واسخر من شعوذته في قرارتي، وأنحي باللائمة على الخرف الذي يبدو بأنه وجد له مستوطنة يتسكع فيها داخله.تململت وطرقعت أصابعي وأخذت ( أمزمز) بشفتي. تعمّدت أن يلاحظ كل ذلك ليعفيني من محاضرته المملة، أو هكذا توهّمت، ويبدو أن فطنته وجدت طريقاً آمنا من بين أزقة خرفه لتتسلل منها، فلقد بتر حديثه في وصفه لِكُنْه طينتي واعتذر مني على الوقت الثمين الذي ترّمد في حضرة شيخ كبير.تبسمت له وأرسلت عدة كلمات شكر واعتذار سريعة ومبهمة وأنا أتجهز للوقوف وعيني تتلصص على الباب بجذل لم تستطع محاولاتي - غير الجدية في مجاملته - إخفاءه.عندما غادرت أخذت أتهكم من اعتماد كبار السن على خبرتهم في الحياة، واستدعيت المقولة التافهة ( أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة ).يهمني ألا ( يتفزلك ) أحدهم ويجعلني أجلس القرفصاء أمامه ليمارس أستاذيته علي.توجهت إلى المقهى حيث ينتظرني صديقي ماجد. عندما أخبرته بما دار بيني وبين عم سعد، وطريقتي في الهروب منه،نظر إلي باستغراب وسألني:- لماذا هرعت إليه إذن؟- لا أدري. - ..- بصدق لا أعلم لماذا ، ولا تنظر إلي هكذا. ربما أردت أستمع إلى صوت آخر فقط. ولكن ليس أي صوت.تعلم بعد أن تركت بشرى داهمني هاجس موحش وشعرت بفكي تنين يلهبان قفاي، وأكثر من ذلك أصبحت أخشى دخول دورات المياه، ينتابني شعور بأنني سأموت في إحداها،لذا لن أدخل إليها إلا للضرورة القصوى، وسأترك الباب مواربا، وأحاول أن أنتهي بسرعة كي أغادرها قبل أن يحدث لي شيء مما أخافه، وذلك الشيخ الطاعن في السن يريدني أن أنغمس في الخطايا كي أميز بين الأشياء.لا يعلم بأني أعيش في مستنقع، تحيط بي القاذورات من كل جانب.أي خطايا تلك التي يريدني أن أتنقع فيها وأنا الذي يقيم مجبراً في وسط الوحل؟- لا يبدو أنك بخير، هل جربت زيارة استشاري نفسي؟- الاستشاري حقيقة. ويخالجني شعور بأن مثل هذه الحقيقة لا تكون منطقية في أغلب الأحيان، هي ليست إلا شفرة حادة يتم استعمالها بشكل سيء، أي أني لن أصل معه إلى نتيجة مرضية لي، سوى تغذية شعوره باستحقاقه للقب، وهنا يكبر وهمه وتصغر ذاتي، ولا أريد لهذا أن يحدث. اعتبره نوع من الرفق.
أتذكر سؤالاً شاكسني فيه عم سعد:- حينما تسعى إلى الموت بقدمك ويرفض تطوُّعك، هل يعني ذلك بأن الحياة تتمسك بك وتحب وجودك أم أن الموت يراك أحقر من أن يقبل بك في ذلك الوقت، ويفضِّل أن يخطفك في وضع لم تكن مهيئاً فيه لاستقباله؟ لاحظ أني أخشى الموت في كل حالاته ومع ذلك من الجبان هنا.؟وجدتني أجيب بدون تفكير:- ربما لا أحد.!- ربما.
نهضت وتركت ماجد ورائي يكمل ( المعسل) وعدت إلى الشيخ لأجده منكباً على وجهه يعوي عارياً وعندما رآني أخذ يضحك بشكل هستيري. أخذت مكاني بجواره وقمت بتقليده وأخذت أضحك مثله .

عذت بالصبر من الجنون




كم مرة تحسستُ ملامحك في ذاكرتي وسمَّمتُ المسافة كي أنتهي معك كما بدأت عذت بالصبر من الجنون وضياع الأنا المختوم تاريخها بين كفيك طرقت نافذة تاريخنا وأحرقت شجرة النسيان لأعاقب التقصير بجرعات إدمان طويل كي لا ينام هلعي المخايل لنا كشبح يتحين فرصة كي يتسلل ليخطف أحدنا أنصَتُّ لنداء الموت وتجاهلت بأن هناك متسعاً من الغرق في حياة لا تكون جميلة بدونك حتى وإن لم تتعد اللحظة أخبرك فيها بذلك أحب أن أحبك كما أنتِ وكما أنا حين تتحسين وجودي بين ضلعيك

حيَّ على الوهم



إفقأ عين الحقيقة كي لا يغادرنك الوهم أنت واهم يعني ذلك بأنك إنسان يعرف قدر نفسه جيداً ووضعها حيث يجب أن تكون.الوهم استدرار لمتعة التحليق داخل النفس المشردة.الحشاشون يقولون ( الكيف وهم ) في نفس الوقت ندرك جميعاً بأنهم يستشعرون سعادة مؤقتة، وخدر لذيذ، ونعلم - ويعلمون - يقيناً - بأن كل ذلك محض وهم، ومع ذلك يفتشون عنه ويسيرون إليه بمحض إدارتهم، أو حتى مغيبين تحت تأثير الحاجة ( المزاج ) ، وسمّه إدمان – لا يهم – مع أنهم سوف يهاجمونك لو اتهمتهم بذلك. مسيرة الوهم في حد ذاته تعفيك من ضغوطات متعددة، وتقيك من جرعة إحباط مستفحل قد يؤدي بك إلى اليأس أو الجنون وربما الانتحار أو ارتكاب جريمة في أسوأ الحالات،وبدون الوهم قد تتحول إلى حاقد وناقم على كل الأشياء من حولك مبتدئاً بك وحتى آخر الأسباب التي أوصلتك إلى تلك الحال.الوهم الحياة البرزخية المختارة التي تنشئها على طريقتك وكيفما سوّلت لك نفسك دون أن تؤذي غيرك – فيما لو سلّمنا بوقوع الأذى عليك جرّاء تماديك في قطع أشواط بعيدة منه وبشكل روتيني ومستمر- .لو لم يكن للوهم فائدة سوى أنه يباعد بينك وبين السقوط الفعلي بسبب رضوخك لنكاية الواقع الذي جاء معانداً لبلوغك ذروة أمنياتك المستحيلة بعد تحقيق الأسباب؛ لكفى بأن تقول:حيًّ على الوهم

كأشجار الخريف




يموت النبلاء كأشجار الخريف يدوس المارة أقدس أجزائهم دونما اكتراث أرواحهم تكنسها (سيارة البلدية) يضطجعون في مرمى القمامة، منفاهم الذي يعرف مقاس جنونهم جاؤوا ليرحلوا بكرامة مشروخة وفكر موبوء زمانهم لعنة دائمة ، وصدى أصواتهم صرخة فزعٍ مقيم

ما بعد الثلاثين




مشكلة أن تصطدم ذاكرتك بأشياء مرهقة تجعلك تفكر في الـ ما بعد خاصة وأنك تمارس الهروب المتقصد كي لا ينز جرح أو تسقط دمعة أو يعتريك الخوف من المجهول وكلما كبرت يوماً - وليس سنة - تفاقم جزعك وانسللت من الرفاق خلسة وكأنك ترسلهم إلى الجيحم قبلك ليعدوا لك متكأك. مرهق أن تعيش وحدتين في عالمين مختلفين، وحدة سعيت لها وأخرى خطفتك مرغماً.أظن أن ما بعد سن الثلاثين أسوأ عمر ( يغطّس ) رأسك في قلب الخوف ومنتصف التيه، فلا أنت ولا أنت .!

أغص بالشوق



يا أصدقائي الأوغاد ..موتوا قبل أن أغص بالشوق وترمد الذاكرة

يشد السماء




انحنى قبل أن يبلغ أرذل الفِكر ، كان راكعاً يشد السماء إليه !

مقعد ونافذة




أكانت أوراق الشجر تشف مواعيدها قبل أن تحزم حقائبها وتسقط؟
روحي التي تعرّت وما احتملت انفراجة شفة؛ كانت أصلب عند الأفول
وأرواحكم الشجر شطَرَها المغيب / ذوَت على شباك ذاكرة ما عادت تلقف الحسنات
إليهم - أيضاً - حينما جُرْت قبل أن يسبقني الزمن ..
لاشيء هناك لا شيء .. الصمت اثنين: مقعد ونافذة

صمت







أحتاج الكثير من الصمت لأقتل بعض الكلام

وجهك

وجهك
تباً لوجهك !

وجهك الذي جاب المواسم كلها
عاد فارغاً كصفحة بيضاء /
كيوم ميلادك الحزين

ربيع وجهك يحتضر
والصيف ترك أخاديده علامات
أما الشتاء وشوش للأزرق وباح بسرِّه

وجهك الخريف تساقط
سرق من الحرباء خصائصها
أيها الموت ..
هاك وجهاً أضاعه الضوء قبل حصاده

أحلام مسمومة



الأحلام طويلة المدى كأنثى الخمسين العانس تقيم بين عطشين

كان يا ما كان. لا. لم يكن بعد.
من الممكن أن يكون. لا. ليس قريباً .
أنقذني صوت حمزة
- لقد سقط ياسر، قبضوا عليه قبل أن يتصرف في ( قطعة الحشيش )
التي كان يحملها كي يوصلها للمشتري.
قالها وكأنه يسوق خبراً عادياً،
فيما كنتُ أقوم بكسر حدة الشراب بخلطه بمشروب البايسون.

ياسر كان الوسيط الذي يأتي لنا بالمخدر . ذهب ياسر ، وسنعثر على
مائة ياسر آخر. قبله كان سعيد، ذهب هو الآخر، وحظينا
بسعادتنا الموهومة بعده. ولكن المحزن في
الأمر أن ياسر شاب مجتهد ولديه وظيفة محترمة، ومؤدب،
من ذلك النوع الذي يشيع جو من المرح حيثما حل.
- سلب حرية أحدهم يشبه الموت المفاجئ، ولو أن الأمر سيجفف
منابع هذه الممنوعات لعذرتهم.
أخذت أفكر بصوت عالٍ
قاطعني حمزة
- في هذه المزبلة أعني هذا الحي الموبوء لن تجد بيتاً إلا
وأحد سكانه يسكر أو يحشش ، ولو عمل أحدهم إحصائية للأحياء
التي تشبه هذا الحي المهمل ستجد بأن أكثر من نصف المجتمع
يتعاطون، لا يوجد حل للقضاء على ذلك. تلك دورة الحياة، ولادة ورحيل.
- بل يوجد حل، فأنت لا تستطيع أن تقضي على
المخدرات والمسكرات بالسجن، أنت تقضي على الإنسان فقط.
- اتحفنا يا سيدة فكرة ( قالها بصوت ساخر وبضحكة مجلجلة ) يبدو
أنك ( ارتفعت ) .
- فكرت لو أنهم بدلا من أن تمتلئ السجون بالمتعاطين أمثال ياسر
وتتدمر حياتهم الأسرية والوظيفية، لماذا لا يعملون على الاستفادة
من هؤلاء في أعمال تطوعية لخدمة المجتمع. ووضعم تحت المراقبة.
- بدأت حصة الهذيان، ماذا تعني؟ أفصح.
- ياسر كمثال مدرس، لماذا لا يجعلون ياسر يقوم بتدريس
أبناء الأسر الفقيرة في المساء وتثقيفهم وتحسين مستواهم،
وقس على ذلك، كلٌ حسب وظيفته، وقدراته، الدكتور، المهندس..
- والعاطل منهم؟ يتطوع في تعليمهم التقطير أو اللف ( أخذ يضحك ويسخر)
- العاطل يقوم بتنظيف منطقة من الحي وزرع بعض الأشجار
والورود لتحسين المنظر وجعله قابل للسكن والحياة الصحية.
هل تستطيع أن تسير في الشارع دون أن تبقي نظرك على الأرض،
خشية أن تغوص قدمك في وحل من المجاري، أو تطأ على بقايا
الطعام الملقاة، أو حتى حصاة تجعل أصبعك متورمأ لعدة أيام؟
- هذا منظور غربي لا يمكن تطبيقه هنا، يبدو أنك متأثر بهولندا.
- أليس هذا المنظور أفضل من قتل الحياة وأن يعود ياسر
بعد عدة سنوات عاطل و بأسرة مفككة وشخص منبوذ في المجتمع؟
الخسارة التي يجنيها المجتمع أكثر فداحة من الجرم الذي وقع فيه.
- قل ذلك وستجد تهمتك جاهزة.
دعك من خرافاتك هذه وفكر فيمن سيكون وسيطنا الجديد.

نديمي حمزة لم يقتنع بذلك، وهو الأقرب، يبدو أن هذا من تأثير
الكأس والدخان الأزرق.

الأحلام المسمومة لا تنشئ وطناً نموذجيا، إما أن تنبت حنظلاً
أو تحبس أنفاسك داخل زنزانة رطبة.

لا نجيد النبيب !!




نحن الفقراء إليك يا الله أغنياء
نصلي الخمس
ولا زكاة تجب علينا تأيدتها
حقول القمح نعرفها باسمها
والخبز المفطور سيرة لا ترهقنا
ماذا أخبرك عن الطرقات وقد طفحت بنا قبل أشيائنا
لن أفعل.!
جاري يقسم بأنه لم يشاهد ملائكة الرحمة..
طيلة العشر سنين التي قضاها ملتصقاً بسريره يتوجع حتى ملّه الأنين.
أقسم لي صديق بأن جارته تأكل من ثديها، تخشى الموت جوعاً
جاري الآخر لا يظمأ أبداً؛ نصف المدينة يثملون من القناني التي شراها لهم
لن نعد نبكي ، لا نتضور جوعاً
البطالة ترف لا يليق بنا
والسياسة ( تياسة ) ولا نجيد النبيب*
نحن بخير عميم يا الله
كن معنا
!



* صوت التيس

شهقة أحلام

فكرة النص لـ / عبدالغني الأنصاري.


الشارع الذي تطل عليه العمارة التي أسكن إحدى شققها، يعتبر من الشوارع الحية التي لا تموت صباحا ومساءً، الحركة فيه دؤوب على مدار اليوم، باعة ومتجولون وأولئك المتسكعين الذي يتخذون لهم مكانا على (دكة) أحد المنازل يثرثرون , يعبثون، وأكثرهم عاطلين العمل، لشح الوظائف وإهمالهم لدراستهم. أظن أن أحلامهم لا تتعدى أقدامهم، كل ما يشغلهم تلك المستديرة، وكيف يصبحو لاعبين مشهورين في أفضل الأندية.

في الخامسة من كل مساءً أنطلق مباشرة إلى النافذة،
جارتي الجميلة أحلام تكون هناك تتكئ على نافذتها في ذلك الوقت،
ولا بد أنني سأحظى بقرابة نصف ساعة للتلصص عليها وتأمل فتنتها،
وهكذا أخذت أرسم مساراً لحلم يشبه اسمها، وجنة موعودة معها.

ذات يوم انتبهت على شهقة وربما صرخة مكتومة،
التفت إلى الجهة التي تنظر إليها ، كان زيد ابن جاري أحمد يعبر الشارع، ويبدو أنه داس على بعض قطع الزجاج المتناثرة التي ألقاها أحد المتسكعين، وتسببت في إيذائه، ولأن مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد، فقد طال مكث أحلام على النافذة تراقب زيد وهو يتألم،
والدم يسيل من قدمه، خاصة وأن منظره وهو يعرج كاد يفتت قلبها،
ولسان حالها يشتم أولئك المستهترين الذين يلقون بالقوارير الفارغة من دون أدنى مراعاة أو ضمير، و"من أمِن العقوبة أساء الأدب"، وأنا بدوري أتمعن في ملامحها، فوق الوقت المسموح لي، كما أفعل كل يوم، وأقطع شوطأ ممتعاً في استدرار الحلم.

بعد ذلك اليوم بأسبوع جاءت أختي سناء تركض وعلى وجهها أمارات الخوف الحزن،
لتخبرني بأن أحلام نقلت إلى الحجر الصحي، للاشتباه بإصابتها بمرض (أنفلونزا الخنازير).
تداعى إلى ذاكرتي منظر لأحد العابرين قبل ثلاثة أيام حينما ألقى بمنديل مستعمل،
وكان من سوء الحظ أن جاء سقوطه تحت نافذة أحلام، ويبدو أن صاحبه هو من تسبب لها في العدوى، وأخذت أحلل كيفية حدوث ذلك ..
فذلك المنديل الذي سقط، أصابته الشمس ولابد أن الأرض كانت رطبة فتشبعت منه التربة، وانبثعت غازات والتي بدورها امتزجت مع الهواء، وصادف وقوف أحلام على النافذة فاستنشقت ذلك، فأصيبت بالعدوى.

ولأن الأخبار السيئة تأتي تترى، فلقد تناهى، إلى مسمعي بأن زيد
قد أصيب بشلل في رجله اليسرى، وأردف الذي أخبرني بذلك ..
ويبدو أن هذا جراء إهمال أهله لحالة قدمه منذ دخول قطعة الزجاج فيها.

والمفارقة في الحدث أن الشلل أصابه بعد آخر يوم رأيت فيه أحلام وهي تشهق.

شمساً خاصةً به




قال لي ..
نحن الغوغاء ليس الطعام قضيتنا، الكرامة هي ما يورِدنا حتفنا
نصرخ ونزمجر، نكسّر ما تطاله أيدينا من كؤوس وأوانٍ منزلية، ولكن لا نستطيع أن نشتم لجنة التفتيش التي تعترض طريقنا في عز ظهيرة فصل حارق يذوّب الجلود الخشنة، ليسائلنا عن رخصة القيادة واستمارة سيارة انتهيت صلاحيتها ولم نقم بتجديدها، قيمة ذلك تعادل مصروف الأرغفة التي نسد بها أفواه أطفالنا، ناهيك عن كون السيارة ذاتها أقل قيمة من المبلغ الذي قد ندفعه غصباً في تجديدهم.
غرفة الأربعين فرداً بمرحاض واحد، وما يسبقها من نظرة احتقار من شرطي يعبث بعود أسنان ويتحدث بفوقية، أشد قهراً من تلك الأجواء التي أعتقد معها بأن لكل فردٍ منا شمساً خاصة به من شدة القيظ.

الأنثى المتخيلة


أكنتُ أعنيها حينما حلمتُ بأن أدثِّر فراشات وجنتيك وأنثرها؟
أحتاج لأن أقطع ألف طريق وأشق مثلها من الأزقة كي يلفحني شيء من وهجك
قبلك ما كان يشغلني تبذير الكثير من الأسئلة ورعاية شجرتها المسمومة
كان يجب ألا تموت أيامي حزينة
وما كان يجب أن تقبري حكاياتنا المليئة بالشجن الشفيف
أعلم أن الضباب يسكن أشياءنا الصغيرة وأنكِ لا تنفكين تدعين ألا ينقشع
دعيني أسر لكِ بأمنية ..
تمنيت أن أكتب امرأة حقيقية عِوضاً عن تلك الأنثى المتخيلة
وحين آمنت بأنها لن تجيئ ادخرت أوهامي لأنثى النار تشعل زند حرفي المسجون
ولامرأة تشبه غيمة، امرأة بيضاء تطهّرني من آثام الوحدة والصمت
لم أخبرك بأن نَفَس آمالي ليس بطويل يا سيدتي
وأنني ما زلت أكتب تلك التي لن تخلق!

تعبرني وأقطفها




كتبت عن المدينة
الصبر
والصمت
والأنثى الحزينة

عن الأشياء تعبرني وأقطفها
وتخطفني فأركلها
مللت الجلد يا ذاتي
وملّ السهد تحميلي
ذنوب الأمس .. والآتي


أردد في المدى جزِعاً
متى تاهت مسراتي
أيا بيضاء يا سمراء
هل كفّنتِ أحداقي

لِم أسرفتِ في ظمئي
وواريتِ ربيع الأنس
فاحتضرت حكاياتي

سيرة مباحة





صوت موسيقى yanni (نوستلجيا) يتسلل ليكسب المكان شيء من الهدوء النفسي، وعلى الشاشة الكبيرة برنامج وثائقي عن التلوث البيئي .

- هل سيجتمعون اليوم أيضا ؟
طرح سؤاله دون أن ينتظر إجابة، فقط أومأت برأسي.. أن نعم.
كانوا في كل آخر أسبوع يجتمعون على شرف سمعته، هو مادة خصبة للجميع - خاصة - حينما لا يكون هناك ما يتحدثون حوله. يتفقون بدون سابق موعد على استحضار سيرته.
الآنسة راغبة - بالمناسبة ليس هذا اسمها، ولكنه التصق بها بعد أن وصفها به صديقي حين لاحظ كثرة رغباتها التي تنحصر في صنف محدد من الرجال مع أنها تعدت حاجز الخمسين من العمر - تتعجب من عدم رغبته في الزواج، بل إصراره على البقاء وحيداً , وكثيراً ما تطلب منهم عرضه على أخصائي (ذكورة) وتلمّح إلى كونه ( عنِّين ).
تعارض ذلك السيدة بريرة صاحبة اللسان السليط والتي لا يسلم من (حوقلتها) أحد ..
- لا حول ولا قوة إلا بالله، ليس كذلك يا راغبة لا تقعي في الرجل، تلك ذنوبه الكثيرة السابقة، ويبدو أن عيناً أصابته، هو في حاجة إلى شيخ يقرأ عليه.
الكل يطارد دخان سيجارة طارق. طارق الذي يحتقرهم جميعاً يفلسف الأمور على طريقته .. يزدري آراءهم، يراهم من عِل.
يتكرر المشهد ..
يرفع يده التي يمسك بها سيجارته، يراقص دخانه. ويصمت الجميع بانتظار ما سيتفوه به، يسحب نفساً عميقاً منها ويظللهم بسحابة دخانه ويتحدث بهدوء العارف :
- هناك مأزق. والتغير الجذري لم ينبت ( كالفقع ) فجأة، أعتقد أنه يصارع ماضيه،
آ آ .. أظن العلاقة بينه وبين حاضره مشوشة، علينا أن نفهم كيف يفكر.
هكذا هو طارق، فالكل يؤيد ما يقول، مع أنه أكثرهم جهلاً، ولكنه الأعلى مقاما، يكفي أن يحمل شهادة دكتوراة.

لماذا يبعثه الآخرون في اللحظة التي يأوي فيها إلى تربته ؟!
كان يطرح سؤاله بنَفس ضعيف، ويعلم أن لا أحداً سيجيبه .
قبل عشرة أعوام لم يكن يسعل، كانت سيرته كثوبه الأبيض (ناصعة البياض) لم تكن هناك اجتماعات تعقد لأجله، لم يكن هناك وقت مهمل.
ثرثرة ( العجائز ) كانت تاخذ منحى آخر أكثر بساطة وتفاهة أيضاً. لم يكن يتوهم كما يفعل الآن.
أتذكر نبرته الساخرة حين أخذ يتندر عليهم ..
- همومهم الكثيرة تجعلهم يفتشون عن جنازة لا تخصهم يدلقون عليها ترهاتهم، وربما كي يتخلصوا من فضلاتهم.
دعَوْته مرة لزيارة الطبيب، تردي حالته كان يقلقني عليه، أجابني بلا مبالاة :
-ماذا سيفعل الطبيب أكثر مما فعله الزمن ؟!
الأطباء يحتاجون لمن يعلمهم الحياة، وأنا أعيش كما أريد، ولست رهن إعياء الآخرين.
- أنت تكابر، وهذا الأمر أخشى أن يكون سبباً في نكسة لن تقوم منها.
-أنا طبيب نفسي وأدرك ما ستؤول إليه، فلا تنشغل بهذه الأشياء الصغيرة.
لم يتغير، ولن يفعل، ثابت أمام كل محاولات انتشاله، كل العالم على خطأ وحده الحق، الصواب الذي سيعجل بنهايته، منظاره الضيق حجب عنه الضوء !
هاتفه أخرس، ثلاجته تتعرق، حذاؤه مهترئ، وملابسه تتوزع بين (طشت) و مسمار علق على جداره غرفته.
تزوره بعد عام تجد كل أشيائه كما هي، حتى هو على سريره كما هو قبل ذلك العام، الفرق الوحيد أنه لم يعد هناك، لقد غادر قبل عشرة أعوام.

طي الغد



الأعلى ليس هو
المكان المناسب دائما.
صرخ بها وألقى بجسده من الدورالسابع وسط ذهول رفاقه.
مهند كان هو الوحيد الذي يعلم بأن ذلك سيحدث في يوم ما، فهو يعرف صديقه جيدأ، ويعلم بأن السماء لا تحتفي بالأوغاد كل حين.
قبل ساعة السقوط الأخير بيوم كان لا يفتأ يشتم الحظ ويلعن الطبقية ويزدري القبيلة, وأكثر من ذلك كان يشك في عدل السماء :
- الرب الذي أوجدنا ألم يجد غيري من بينكم ليصب عليه سخطه فيضعه في هذه المنزلة الحقيرة.
- دعك من هذا . الطريق التي نسلكها تتكرركمفردات طفل يتعلم الكلام، وأحيانا كالبيت الموقوف بلا وجه حق .. ذلك الذي لا يدر عليك مالا، أو كالأرض البور التي لا أنت تخلصت منها ولا هي أطعمتك.

كان مهند يعلم بأن هذه الأفكار التي تخاتله ستأتي عليه، و على أقل تقدير ستذهب بعقله.
فجوة شاسعة بينه وبين واقعه. الأحلام البعيدة المدى .. براكين تصيب حممها أقرب الناس إليه. لايتوانى عن توزيع الشتائم بدءاً من أطفاله الصغار متجاوزاً الوطن وحتى أبواب السماء.

وجده يوماً جالساً أمام باب بيتهم يعبث بالتراب. عندما رآه مقبلا عليه بادره بالقول:
- ألسنا كلنا من تراب، ومع ذلك التِّبر يعلن براءته منا، بل هناك من أصبح إلهاً والتعريض به طريق البسطاء إلى الجحيم.
- لن تغير العالم يا صديقي والناس مراتب. ربك يهب من يشاء ويختبر صبر من شاء.
- والتقوى التي هي مقياس التفرقة يامهند.
- تلك القلوب وليست السحنات.
- وددت لو أنني ( جرّافة ) لأساوي التراب بالتراب.
- أما أنا فأود لو أنك إنسان وتتناسى ذلك الحقد والغل الذي يعتمل فيك حتى يكاد أن يفتك بك.
- تعني أن أستسلم للعراء وأنساق مع البسطاء تحملنا الريح حيثما شاءت ونظل نسبح ونشكر بحمد المنّان.
- أعني ألّا تتأسى لماضٍ وتعجّل بالسير لتدرك حاضرك وتنشئ مستقبلك.
- أعدك بأنني سأطوي المسافة وأدرك ما بعد المستقبل.

وطن ينمو خارج العادة


الحسنة الوحيدة التي أنجبتها بريئة من كل الخطايا ، أظن بأن الحياة كانت عادلة معنا. آخر يوم ركلتني فيه الكآبة خارج المنزل كنتِ تستبدلين صرخة أمك الغاضبة بصرخة استقبال الحياة لكِ بوجه مكفهر.
أمك وطن حزين انتهك كرامته مستعمر دنيء ، وكان لابد له أن يتحرر.
كنتُ أفصّل لها الحياة كما تملي عليَّ مزاجيتي، وقائمة الممنوعات
تفوق احتمال معتقل في قضية أمنية، ومع ذلك كانت ترضخ من أجلكِ،
أو ربما كانت تعقد آمالها على هداية غيبية تصب في خلَد رجلها الذي تعطلت آمالها فيه.
وعندما أيقنَت بوجود ختم لا يمكن تغييره، أوكلَتْ محامياً وخلعتني كحذاء قديم.
غضبتُ كثيراً، وكدت أرتكب جناية في حقها، فقررت تشويه وجهها الجميل،
وضعَتْكِ في وجهي كآخر صفعة أيقظت ما بقي من رجولتي التي مازلت أعتقد بوجودها.
كان يجب أن أحمل كل سيئاتي وأرحل حتى لا ينالك شيء منها.
تشبهينها يا صغيرتي حتى في هدوئك القاتل، فلا شيء مني أودعته إياكِ،
الأمر الذي يجعلني أشكك في أبوّتي لك،
فمن يصدق بأن هذا الملاك الجميل خطيئة رجل بشع، يسيل القبح من كل مسامه التنتة .
كنت أتلصص عليك كالخفافيش، وأتسلق الجدار في أوائل السحر لأتطهر برؤيتك،
أنا ذاته الرجل الذي أرهق هاتف منزلكم، فتارة أسمع بكاءك، وأشتُم أمك في صمت،
وتارة أخرى أسمع ضحكاتك فأهتز طرباً وأشرع في تقليدك، وكثيراً ما كان الصمت ينهك صبري حين لا يكون صوتك قريباً من سماعة الهاتف .
عندما طلبت أمك مني بأن أنهي إجراءات ولادتك، فكرت في أن أنسبك إلى رجل آخر خشية افتضاحك بي .
أمك سيدة جميلة جدا، الكثير منها يغنيك لتصبحي وطناً عظيماً،
أما قدرك الذي كتبني أباً لك بيدك تغييره، فالحذاء الذي ألبستك إياه أمك ، يجب أن يكون كفارة طريقك إلى النعيم بعيداً عن التاريخ المشبوه لأبيك،
فاعبري به طريق أمنياتك فوق متني كأول عقوق تؤجرين عليه.!


لستُ بكاتب



كلما قرأت أكثر، آمنت بأنني لست كاتباً.

يفعل الحبر شيئا ولكنه ليس ما يستحق أن يقال عن صاحبه بأنه كاتب.

مؤلم أن يركلني الوهم بأنني كاتب بعيدأ عن هذه الصفة،

ولكن قد يريحني في اللحظة التي يصارحني فيها أحدهم: لست بكاتب،أنت مجرد شخص يحاول ذلك. حينها لن أغضب، لن أشتمه، لن أصفه بأنه مجرد حاقد يحاول أن يطاول قامة عن طريق تصغيرها،

ما قاله .. لا يعدو الصواب. وقد وعيته مبكراً، أو متأخراً، لا يهم، يكفي أني وعيته قبل أن يحدث موقفاً كهذا.

حزين لأنني لست كذلك، فقد تميت لو أنني أتشرف بأن كون كاتباً جيداً، ولكن خذلتني الحقيقة.!

تورث طهراً




حُق عليَّ القول

بعض الأحاسيس يجب إذكاؤها ؛ كي تورِث طهراً

باعد بيني وبين جزعك



أخبرته بأنني سيء، أنا لست كذلك.

أتظاهر بأني سيء كي تسيل المسافة ونتخلص من تفاهاتنا الصغيرة والحقيرة أيضا، على سبيل المثال .. ضربته على يده وصرخت به: كف عن قضم أظافرك، عدوى توترك تكاد تتسرب إلي.

كلانا طيب جداً، وكلانا يعلم ذلك .. وأحيانا نقسو على بعضنا البعض لنتقوى بنا. ضعفك يفتت تماسكي، وأنا كذلك حين أصحو فزعاً من كابوس يعتادني، صخرة كبيرة تتدحرج من عِل والأصفاد تكبلني على الأرض، وأصرخ وأحاول التفلت ولا أستطيع، والصخرة تكاد تقبرني، وأجدك بجواري ترتجف وتؤزني وتخبرني بأني مازلت هنا.

أي عالم هذا الذي لا يرحمنا ولا هو الذي سكب القسوة في دواخلنا.

والخوف كائن بغيض يسكن جهاتنا الست .. رقيبنا الأكثر ضراوة.

أريد أن أتنفس باعد بيني وبين جزعك ولو لعمر واحد