منعطفات



هذا العالم مليء بالأشياء السيئة؛ فلماذا تنتظر من الآخرين أن يثبتوا لك ذلك
أنت لا تحتاج لإدراك مدى السوء قدر حاجتك للتخلص من النوايا الطيبة عند كل منعطف

حزن




الحزن وحده لا يكفي
عمل الفأس في شجرتنا فنام البسطاء مكان الجذور
سيموت الفقراء غداً وما ابتلت عروقهم،
سيلود ألف كسيح بلا عربة
مات الضوء واليد ذابلة بلا أصابع

تعريفات



منتصف النفق
أن تفكر أكثر وأن تأتي جرعة الألم مضاعفة


والعزلة نفي للوجود
أن يتقشر الوقت كجدار منسي
وتخزن الثمار وتذوِّب الفصول


الوحدة
بوابة الغياب الأخير
أن تصنع تابوتا وتموت بهدوء بلا وصية

الصدمة




هروب من رحابة العزلة والدخول في نفق الحياة
كالتحسر ما بين الصبا والمشيب
كجزع الغارق وتيه ابن الثلاث

صباحات

الصباح كسرة خبز مبللة
وتنهيدة شيخ وقور
شيخٌ فتته العقوق وهذبه الصبر


المكان بئر عميقة
والصوت يتكسر
في أعين الأعشى

بين المدى والرِّق
كائنات سائبة
للربيع مُدَّت
حصادهم سراب

هنالك ..
سيدة مكلومة
تدعى وطن
أبناؤها النسيان
ملامحهم ضوء فاتر

أحلامهم
مدن جفاف حائرة

آمالهم
أخاديد من الخذلان

عزلة الأصابع




قبل سنة كانت تلتف يدي لتطوق خصرها واليد الثانية تعبث
بأزرار (الجوال) لأرسل رسالة لأخرى تحفظ أصابعي مقاس خصرها بدقة
في الوقت الذي تتكئ هي برأسها على كتفي وتثرثر
في الوقت نفسه استدعي صوت تلك الأخرى
أما هي فقد كنت أمعنت في نسيان خصرها وعلمت يدي النكران
أحياناً كانت تكتفي بالإيماءات، فلا شيء يستحق تبذير الكلام
عققت خصرها وهجرني صوتها

الأخرى كانت تعبُّ من عزلتنا لتنشيء مدينتها
كلنا يؤثث عزلته بهدوء
أجسادنا تواطأت معنا، لم يعد يضمنا سرير واحد، كلٌ منا ينام في غرفة مستقلة
طاولة الشطرنج هي المقبرة الوحيدة التي تجمعنا ثلاثتنا
لا أتذكر بأن الترتيب اختلف ، هي تهزمني وأنا بدوري أتغلب على الأخرى
تعودنا كل يوم جمعة نجهز غداءنا ونتجه للحديقة، في الذهاب هي من يركب بجواري
والعودة تستحوذ الأخرى على المقعد وبترتيب مسبق بدون أن يتفوه أحد
تم الأمر هكذا باتفاق مبطن لم نصرّح به
عندما تغادر إحداهما المنزل لأي سبب كان، أذرع الشوارع على غير هدى
حتى تعود، كي نعود معاً
عندما يشعران بأن الصمت يكاد يفتك بهما، يبعثان إلى برسائل على
الجوال، أو نتحدث عبر المسنجر، بكلمات مقتضبة، آخر محادثة كانت الفيصل لكسر جمود العزلة المفروض طوعاً، بعدما شقت - هي - قميص صبرها
- متى
- لا أدري
- لم
- لا يهم
- أها
- ..
- إن ذهبتُ لن أعود
- إن ذهبتِ لن أعود أيضاً
- وهو كذلك
- وهو كذلك
عندما استبد بها القهر كتبت إلي:
( أنت رجلٌ أناني تعقد صلة وثيقة مع الماضي تنسى أن حاضرنا لن
يتكون بدون أن تهيل التراب على ماضيك ، فمتى ستفعل؟)

أحلت رسالتها إلى الأخرى وذيلت تعليقي أسفلها:
- هل تعتقدين بأنها أنثى فارغة؟
ردت علي:
- أنسيت بأنك قد مت العام الماضي، فلماذا لا تطلقني

بشراً عصيا




اقترفت معصية الغياب
خطيئتي التي ذرتها الريح في عينيك
فتمثلتُ لكِ بشراً عصياً

ذاكره




ما تعلمتِ كيف ترتقين قميص صبرك
فماد بكِ الوجع

نسيتِ أن تسدلي أشرعة النسيان على ذاكرتك
فتجمدت عروقها بين أمسين

هممتِ بالصراخ ، نام الصبار في حنجرتك

الكتابه




في زمن يقتات السارد فيه بقايا أوهامه الكبيرة ، وتتكسر أحلامه على صخرة التجاهل
تصبح الكتابة شيء من الترف لا يحق لأمثاله ادعاءه، أو التمسح به
من لا يمتلك معولاً يتوجب عليه أن ينام على الحصير ويخيط شفتيه ويشعل النار في أنامله

فلا عزاء للغرباء !!




الإيمان لا وطن له، الإيمان وطننا الأوحد
ولأننا غرباء في أوطاننا فلا ضير إن قست علينا وألقمتنا الذل
نؤمن بأن الوطن حلم جميل لن نفيق منه قبل أن يرتكب في حقنا أبشع الحماقات
"ويا غريب كن أديب"
فشكرا أيها الحلم الجميل .. هذبت أتراحنا ، ورتبت لنا فصول الوجع كما يليق بالوطن
فلا عزاء للغرباء

غربة



إني هنا أرسم للغربة لوحة بعد لوحة
وأجسّد باطنها بين حياتين
أمهلني يا قدري ..
بصري أعشى
وإعاقة قدمي المفتعلة
يشمت منها لسان الباب المفتوح

الحياة




إلى أين تمضي بنا الحياة وكل شعاب المعدمين نهايات معجلة
أيها العقل احترس؛ اليقظة تنُّورٌ أخرق
أيا فؤاد الكاظمين في البدء مرتجع النوازل

أيها الإنسان غرّب قنديلك كي لا يذوي
كي لا تحفر قبرك قبل الميعاد بعام ونواح
وقبل الضوء بومضة
بين سرابَين يتوه النصف الأعلى
وبعد السكرة بصفعة جاهل
!

وطني




في يوم الوطن أمنيات معلقة ليومٍ آخر
في يوم الوطن فتشت عن الإنسان البسيط أسقمه الانتظار
في يوم الوطن نسكب آمالنا ألّا يؤجل الحلم كما كان يفعل
في يوم الوطن نصلي كي لا يغرق الضعفاء وينساهم الغد
في يوم الوطن كنا أعمدة وكان السماء
فيا رب السماء حنِّن قلب الوطن
في يوم الوطن كان البناء وكنت أنا
فيا ربي لا تسقط البناء على ورق

" الفاشلون هو من يستطيع أن يجعل الحياة جميلة " *



هل كان يجب أن تصبح فاشلاً
كي يتمدد حلمك وتتخلق أوهامك عنبراً وقصصاً قصيرة ممتعة
وتغدو الذاكرة حقلاً
والنهر الموشوم بحمرة الورد يغازل غيمة روحك
لتساقط أملاً جنياً؟

*انطونيو بانديراس في فيلم The Other Man

صوت



انطفأ الصوت
ماعاد يستدل طريق سفره
الصوت سهوة أرق
يتفش عن أناه
ويحترق

الماضي



لماذا الماضي ينشب أظافره في حلقي ويستثير مكامن الدمع
من علمه الوفاء ووثق عرى الوصل بينه وبين ذاكرتي
التي لا تفتأ تسرق الآهة من شفتي ويبلسني الحنين كآخر قطعة رداء
وأحبو كطفل يلهو، دسَّ مسمارا في فمه خلّف له رعشة
وعلمه كيف يوقِّع نهاية سيرته التي بدأت مع آخر التفاتة شغب

أحسن شيئ !!




مات أسعد . الطيبون يرحلون مبكراً وجداً أيضاً.
تكتشف بأن الأمن أحد حكايات السراب،
وفي لحظة يتحول أحدهم من كائن حاضر
إلى مطرقة تدك ذاكرتك وتجد بأنه استحال فعلً ماضٍ موجع
ولن يعود أبداً
ولا أحد سيقنعك بأن الخروج النهائي ليس إلا قدر محتوم
وأن ذريعة الأسباب وهمٌ مهذب
يا لسواد قلبك المتعب يا أسعد لم يفقد لؤمه،
وسبق كل الخطط التي وضعتها لأجله.
ماتزال ضحكتك الودودة تلكز مآقيَّ قبل أن يبتلعني باب دارك المنهك،
الذي قلت بأنه لو قدر له أن يتحدث
لاستجداك عتقهُ رحمةً ببؤسه الذي استعار أخاديده من ملامحك.
عندما ألححت عليك بالذهاب إلى المستشفى علّ أن تجد حلاً لضعفه
رددت: (أنا لاقي آكل عشان أروح مستشفى)
- أنا سأتكفل بتوصيلك إليه وإعادتك
ودفع مصاريف دوائك إن كتب لك الطبيب شيئا.
- لا تدعنا نضحك على بعضنا البعض
فعلى الأقل أنا رجل وحيد بقلب لن يصمد كثيراً
ولا رغبة لدي بخوض رهان مع قلب آخر
قد يقترحه ذلك الطبيب،
عليك أن تهتم بأفواه ( التنانين) التي تستعمر منزلك
بدعوى الرعاية والمسئولية
وأنت مجرد عامل بسيط على وظيفة تافهة تسمى
ناسخ آلة، مع أنها بدون آلة ههه
فدع قلبي وشأنه فذلك: أحسن شي.
تلك جملته التي لا تفارقه، فكل الأشياء عنده:
أحسن شي، حتى أسوأها.
نهضت لأعمل شاياً لنا، ابتدرني بضحكة ساخرة :
- لا يوجد ماء
تعجبت وصببت جام غضبي على مصلحة المياه
فقاطعني ضاحكا:
- لا ذنب لهم فلقد أصابتني حمى بالأمس
ومن شدتها أخذت أزحف من الغرفة إلى الحمام
في نصف ساعة ربما،
فقلبي المدلل كان لا يتنازل عن أخذ حصته من الراحة كل ثانية.
وبما أني لا أمتلك حوضاً (بانيو)،
فقد كدت أسجد شكرا لله على ذلك
ولكن وضع الزحف أعتقد أنه عبّر بشكل جيد،
كان كل ما احتاجه هو أن أفتح الصنبور وهذا ما فعلته،
وأخذ الماء يتقاطر على رأسي ورقبتي فقط
فوضعية الامتداد لم تكن تسمح بالوصول لأبعد من ذلك
ونمت أو أغمي علي، لا أدري،
الذي أعرفه أني صحوت ونهر عرق بارد يسيل مني
وأنا منكب على وجهي تحت ( الدش ) الصامت
ولك أن تخمن مابقي.
قررت أن أحضر عدة جوالين ماء بعد أن أملأها من بيتي،
ويبدو أني لم أتنبه إلى أن انقطاع الماء كان دلالة لأمر
ربما يكون: (أحسن شي)، في وضع شخص مثل اسعد
مع أنه أورثني حزنا لن ينتهي.
استدرجني حنقي إلى مساحات خيالية حمقاء
فكرت فيما لو أنني كنت في وضع أسعد
لبحثت عن حل شرير لهذه الحياة، فعلى سبيل المثال
أصنع مدخلاً جيداً كأنه أطرح السؤال التالي:
-لماذا أعيش؟ وهل لو استأذنني الموت في القدوم سأرحب به؟
بل يجب أن أرغمه على المجيئ بالصورة
التي أختارها أنا وفي الوقت الذي أريده
مع اشتراط أن يكون موتاً صاخباً
وقد أتمادى في الأمر وأفتش عن طريقة أخرى كأن أتخيل:
لو أنني تحسست موضع ظلي وقبضت على رقبته وخنقته بقوة
ألف رجل وقتلتني. لا، لا، هذا خيال فاتر.
ولكن ماذا لو أنني خطفت طفلاً غريباً عني
- كان مستقبل والديه والغد المشرق لهما بعد عقم عشر سنوات -
وقمت بتقطيعه وتحويله إلى وليمة أدعو إليها جيراني وأصدقائي
هكذا سأضمن حكما بموت سريع لن تستطيع أموال القبيلة كلها
درأه عني. هذا حل جيد، وقيمة الوجع في أعلى وتيرتها،
وسأكون حديث المجتمع بأكمله، سأغدو مشهورا
ولكن ذلك يحتاج إلى مجهود كبير في البحث
عمن تنطبق عليه مواصفات الضحية،
ولا أمتلك (سيارة) لأقوم بالمهمة بشكل احترافي.
الحياة تشعرني بالعار، ومحارب الساموري
كان يقتل نفسه في لحظات مثل هذه،
ولا أدعي بأني محارب مثله ولا أريد أنتهي كما يفعل هو
- حينما يموت وحده مكللا بالشرف كما يعتقد –
بل لا بد من وجود ضحايا،
وتحديداً الضعيف منهم، وأعتقد أني أستحق الشكر،
فأنا أسهل عليهم العبور دون أن يقضوا أعمارهم
يكافحون ويناضلون في قضية محسوم أمرهم فيها،
ومعلوم أنهم سيهزمون وتصيبهم أمراض وعلل شتى.
وإن كنتُ لا بد فاعلا؛ فعلي أن أقدم شيئاً كصدقة
يتذكرني فيها هؤلاء الضعفاء في العالم الآخر.
وعندما أقلص عدد المضطهدين في الأرض
فإني أقدم خدمة للبشرية، ورسالة مفادها:
إن كنت تعلم بأنك ستبذر عمرك في الدفاع والتحسر
على الظلم الواقع عليك؛
فافعل ما يقيك نوبات الصرع و اعتياد الكآبة التجول داخلك .
والذي قال بأن الإنسان هو من يصنع نفسه،
كان يعيش في زمن وحوشه أكثر وداعة وإنسانية،
ولم يعد هناك إنسان يصعد السلم من أوله،
وأنا لستُ وحشاً ضاريا،
ولا رغبة لدي في خوض حروب قد أكون أعلم مسبقاً
عدد الهزائم التي ستأتي عليَّ وتكسر أرجل السُّلم.
عند هذا المشهد تذكرت بأن قلبي الضعيف
سيكون عائقاً أمام تحقيق كل ذلك.
جاءني صوت زوجتي من داخل المطبخ وهي تتأفف:
- البلاعة( البالوعة ) مسدودة وبدأت بالطفح
وجدتني أهمس في شرود:
- أحسن شي !