لم يمكن الجفاف الذي استعمر الجوع،
والذي أخرج لسان الأرض الأبيض المتشقق: محض عقوبة؛
بل لأننا نتقن المناحة جيداً، وكالمال الحرام نبذِّر المديح للسِّخام




أيها الماضي ابتعد؛
لو شجَّ الشارعُ قلبَ ذاكرتي
وأدمى الحنين ذراع الصبر
وثمَّ تفتَّقَتِ الحواس وانهزم الكلام
وغصَّ بعضي الأسمى ..
أكنتَ تعتذر للمسكونَ بالخوف؟




هذه الحياة تدربنا على الموت ..
القيظ
الإنتظار
الأمل الذي يشبه سحابة صيف عابرة
الأشياء الصغيرة التي تتعطل الحياة بدونها
نتمسك بكل ذلك ونذهب إلى الموت حفاة
متخففين من كل الأوهام الثقيلة




الكتابة التي كانت حلماً، أو الفعل الذي ندّعي بأنه يقاوم الموت، أصبحت عبئاً، لا وزن لها.
فلا يجب أن نتمسك بما نوقِن بموته.




أخاف حمى النسيان التي تلبستني منذ عِقد أو أقل؛
ولكي أقاوم بعض فداحته ..
أصبحت أتتبع آثارهم المهملة عنوةَ





إذا كان ذنبك ورثته من أبٍ قديم حمَّلك الأسفار ونام؛ فأنتَ مدرسةٌ بين فصلين دراسيين




حينما مَرَدوا على الحزن، سرق الماضي ذاكرتهم



أريد، ولا أستطيع، لولا أن زمّني الشوق، فاستدبرت صاغرا



كمَّمَ ضِرع الساقية،
كفَّ يدَ النسيان.
استقبلته قيامته حين رعى شجرة الخوف
ونام.!




قال: غداً.
تناسى بأن الغد مسخ أيامٍ اعتادت التسويف




ما بين سماوات العتاة، وأخاديد البؤساء، أحفاد الجوع:
مسافة رحمة حبسها الغرور وذكّاها التجاهل.
قبل اليوم لم أكن أؤمن بأن بعض القلوب أضيق من خُرجِ عابر،
وأزهد من زاد مغترب يتقشف قبل أن يتمدد فوق رصيف مأهول بأشباهه.
إن كنت إنساناً حقيقياً: فتّش عنهم،
الفُتات يقيهم الموت المعجّل، ويزيد من سعَتك




كانت عزلته العالم الأوسع ،يعبُّ منه. وكلما تكاثرت أشياؤه، أمعن في حراسة وحدته.
كانت الشياه، وكان الراعي.
عندما غادرها طوعاً، أدرك فداحة الغيبوبة التي اختارها بمحض إرادته.
أدرك - متاخراً - أن جنتة الموعودة، تتحين التفاتةً منه خارج أسوار العتمة.
أسرج خيلَه، وأرخى الوِثاق، أعدم الخمس، وامتطى أول السادسة




لبعض صداقتهم وباء، كمن يشتري شقاءه بحُرِّ ماله



لا تنتظروا مني شيئاً، فأنا لم أعد أثق بوفائي للأشياء
استودعتُ الماضي نهر البكاء ونسيت أين خبأه
أنا السرور المقيم وإن أظهرت النقيض
وبُعداً للبؤساء




شرب البحر كي ينسى، فكان نصيبه اشتعال ذاكرته.
داهمته موجة بكاء ، استسلم، وألوى على ندمٍ؛ فاكتوى




تباً للحنين ..
صلب بعضه أمام عينيه،
بعد أن استلَّه من الماضي




تراجع تعاملاتك وسلوكك وتُغيِّر ما يلزم.
تبدأ حياةً جديدة - كما تعتقد -.
تنشي علاقة مع مكان تجهل معالمه.
تتخلص من حميميتك القديمة، وتشرع في بناء أخرى على التضاد منها.
تثرثر طويلاً، وتضحك كثيراً لأسباب تافهة.
تنساق خلف ذرائع الحال الفَتِيِّ الذي اخترته طواعية.
تكتشف بأن كل ما فعلته لا يعدو أن يكون قناعاً هشاً,
وأن الشيء الثابت داخلك لم يتغير،
فأنتَ أنت ..
تَكثَّف ضبابُك واتسع مدى حيرتك





عندما أردت تقليص مسئولياتك في الحياة، تضخمت أعباؤك النفسية، وجفَّت ورود عمرك القصير



في الزمانات الماضية كنا ننتظر، وضوء الأمل يسقي عروق الحياة في ملامحنا.
الآن لا شيء كالإنتظار يذبلنا، إنه قصيدة الموت التي تدق أجراس قافيتها





عندما عشنا لأجل أنفسنا، فقد الآخرون نضارتهم.
وحين أنفقنا العمر لأجلهم، عشنا مرتين، ولكن بلا ذاكرة تخصنا





نسيتَ كيف نعيش، وغزتك جيوش النمل؛
فقد كنت تبدد العمر في تفتيت الأحلام كِسرةً بعد كِسرة




لا تسرق من رغيفي.
قل لي، وسأهبه لك بأكمله




يا أيها الصبح ..
إن كنت ستتنفس سَموماً؛
أرجوك تأخر




زرعتك أمنيةٌ بلا حصاد؛ كي لا أقعى وحيداً وقد اضمحلت أمنياتي معكِ



نريد أن نحيا في سلام، هل طلبنا المستحيل؟
دفعه بشدة وصرخ به محذراً: إن أردتم ذلك، فابحثوا عن كوكب آخر،
أو اقبلوا بهدنةٍ بين حربين.
وإن لم يرق لكم الخياران: فاطلبوا موتاً معجلاً





أنا بخير، كما أقولها لك دائما.
أنا وأنت ندرك مقاس أوهامنا التي جعلتنا نؤمن بأن الحياة القصيرة، في حاجة إلى بالٍ طويل، ربما إلى سيجارة، أو كأس، أو أناس تافهين - في نظر الأشباه - نضحك معهم ملء قلوبنا.
أنا وأنت نعلم بأن الطريق الطويل الذي خلّفناه وراءنا لا بد من ردمه كي يتسنى لنا تسيير ذواتنا كما تتشهى الحياة القصيرة وبالكيفية التي نستطيع معها حماية قشرة أرواحنا الهشة




الليل يعرف متى يسدل ستائره وعلى من.
في بلد الخيالات كل الطرق مباحة للعابرين حالما يدركهم اليأس.
قلت مرة: الصمت اثنين: مقعدٌ ونافذة.
المقعد يلمظ العرق والنافذة تشيخ




يسأل عن صمته ..
كيف ثنى ركابه واحتمى بالجدار
عن حروف كتب قرأها ..
متى فاغلته وهربت بين غفوتين
يسأل عن ذاكرته ..
من علمها النشوز فخلعت طاعتها
وعن قارورة يبّسها الرفق ..
أنجبت له النمرود ودربته على العقوق
يسأل عن الحياة ..
بسيطة - أنتِ - حد الأذى
وحد إغلاق الدفاتر كلها



في مدن الموت البطيء:
إما أن تكون عابثاً لا تكترث لأي شي، وتبدد وقتك في التفاهات،
أو ملتزما بسراطك المستقيم ترجو الحُسنى.




أخاف حمى النسيان التي تلبستني منذ عِقد أو أقل.
ولكي أقاوم بعض فداحته ..
أصبحت أتتبع آثارهم المهملة عنوةَ




الظلام يعرف سوءته ..
السير بتؤدة،
تحسس الأشياء المحهولة.
والأمل المنسي يمد شفتيه بتململ.

الظلام ..
إدراك معنى الخوف
معنى أن تتضاءل ويقشعر صمتك.

الظلام ..
أنتَ بلا مجدافٍ،
تغافِل بوسك،
تبتللعك اللُّجة




هكذا يفعل الليل عندما نعقٌّه،
يمارس عاداته السيئة ..
كأن يسكب الكآبة كؤوساً مرخَّصة
أو يفتح نافذة الأوهام
كأن يحفر أخدودا للغيم
يقض مضاجع الوساوس
يبعثر ما تناثر من أحلام



من سيخبرك عن الوردة شممتها، ورعيت الظل
عن طائرك المغرِّد تلقفه قفصٌ آجرِّي
عن الماء البارد قبل بلوغ الشمس
عن الصوت وفتاة السطح الأملس
عن رجل تمنطق بحزام الأمل
عن تغريدة اثنين في زقاق عتيق
عن كفٍّ ضحوك يصافحه الخِلَّان
عنك قبل المشيب وعبث العِقدين
عنهم حين كشفوا الستر واحتضنوا الحنين
عن جلجلة الأشياء وصداح الخير
من ينبت جلدك المفارق
فيهزم الرحيل

؟



لو أن لا موت بعد حياة
أكان سيتمطى عنق الزجاجة؟
أكانت الأرض تحبل مجدداً
أكنتَ تدمي الورقة قبل أن يتثاءب الحبر؟




جاء يحبو بعد المشيب
فمن سيفطم الصمت قبل أن تترمد الأسئلة





الرجل العجوز أدار للسطح ظهره
وشذّب أغصان عزلته بعد أن كدسها في صناديق ذاكرته
وأوى إلى أرضٍ منبسطة تبعد عن السطح حاراتٍ عديدة
فارق البرج وغاص بين جموعٍ من البسطاء
وأصبح يشعر بأن الحياة ليست: كتابة، موسيقى، وبلا شك ليست تلك العزلة؛
إنها - هناك - بين تلك السحنات المرهقة والابتسامات الحقيقية
تلك الحياة المتناهية في بساطتها، بين الأزقة والأتربة وصراخ المارة وشغب الأطفال.
العجوز الشاب: عاد خمسين عاماً دون أن يؤز ذاته ويستجدي الحنين




أكُلُّ السِّتر حسَنٌ؟
لا أعتقد بذلك.
بعض الستر قهْرٌ,
وأحسن منه جهرٌ غير مؤذٍ




حد البكاء، حد التعتعة، حد اللامبالاة بما عداكِ
إلى الحد الذي يجعلني أكفر بكل المسلّمات التي اعتنقتها قبلكِ
حد إيماني بأني لم أكن شيئاً مذكورا بدونك، وإن هتفوا بـ: كنتَ وما تزل
حد الغياب الذي محى الكون بكل ياقوته، وأنشأك منارة دثَرَت كل أدياني التي تشكلت في جوف عِرقي: أحبك.




التكرار فعل تجديدٍ فاشل،
يبدو بأنه النافذة اليتيمة التي استطاع التنفس من خلالها





يريدونك نسخةً منهم، ولو فعلت لأصبحت شيئاً صغيراً على طاولة منسية.
ولو ظللت أنت أنت؛ حكّموا فيك عاداتهم التي اجترَّها لا وعيهم
كن كما تشاء إن استطت أن تسخر، وإن أغدق عليك الصبر من معينه




كان يتمطى بين فيءٍ وسحَر، الآن يشكو من ضيق الوقت
ماذا لو كان يتنفس غباراً، والوسادة جدار؟




لو كنتَ كوناً عامراً، ما استعمرتك
فلا تتفتق عن جِنان




الحياة التي أفقنا معها على الوجود
ذاتها الحياة التي نختلف في توصيفها
الحياة جميلة
الحياة مملة
الحياة تعب
الحياة عادي
الحياة مدري
الحياة قاسية
الحياة . . .
صدقني الحياة: أنتَ كيفما يحط نظرك
عميقاً جُسْتَ أو ظاهراً حسَسْت
هذه المحطة لك، اعبرها كما تريد
ودع لي صندوقي لا تقلّب أشياءه





من علّم صوتك تمزيل الحزن وهدهدة الروح
من علّم صوتك حين يغيب بأن البكاء موشَّحُ أعراسٍ ملكية





أنت مخلصٌ لخياراتك؛
إذن أنت تأتي على الاحتمالات،
تقضي على شجرة الزيتون




رأسي ممتلئ بالفراغات، بالثقوب اللعينة
باللاشيء
يريد ولا يريد
ويستزيد
رأسي الذي ذوّبه القيظ: ردمه المُدام
رأسي تفتته الظنون، وارتياب المسافة،
وانتظار أفول العام




يا صُبح: تنحى قليلاً أو تأخر؛
إن استراح السَحر أتعبه الرحيل،
ولا أريد لوجهي - في الصيف - أن يتقشر





تساءل متعجباً: أمتعبٌ أنت؟!
أنا أقصاني الأرق، وذوّبني الأسى



إن جعت لا تسرق؛
الجائع لا يقوى على الحراك
إقطع ساقك والتهمها
إقطع يدك التي لو مددتها لعادت إليك كسيرة يملؤها الجفاف
لو سرقت: سأقطّعك من خِلاف
ويلعنك القاصي قبل الداني
وأجعلك أمثولة
وأنكّل بك
إن جعت: إصبر
في الجنة فاكهة مما تتخير
ومن الطير ما تتشهى




أيها العالم: كفِّر عن ذنوبك وانظر إليَّ ملياً واكتبني من الصابرين




في الليل الذي فتح التوابيت ونشر الدود
كان النسيان صوتاً خافتاً مزّقته الأفكار المشبوهة




يسوقني إلى الجحيم
يبتاع لي (كبسولة) قلق
يدير لي ظهر المِجَن
ويًقسم: أحبك
!





أغيب كي يتفتت الوجود
كي أساقط التعب من ذاكرتهم




عرفتكِ في عصر الزهور
ذبُل الحقل
وبقيتِ ياسمينةً للعمر القادم




يؤلمني ألَّا أجيد ما اعتقدت استفرادي به،
هم يكتبون كي يتنفسوا،
أنا أكتب لأن لا شيء آخر أجيده




حينما نسيت النفخ في صدرك
نفضتِ كفَّيكِ
فاحتضرت




سئمتَ الثمانين يا زهير وناديت: هلم إليَّ يا موت
أما أنا عندما سئمتُ مني، صرخت بالموت: ابتعد





لا تنظر إلى راسي؛
أدركتُ كم هو فارغ




عندما كبر العالم
جفف أشياءه
سجن الرغبة
صعد سمواته وحيداً
وأسرف في الصمت

مفاجأه




حين قبضت على الريح، كي لا يميل رأسي؛
استيقظت على خُشبٍ مسنّدة

وهــم




يقولون بأن الدنيا بساط أخضر
وبأنهم سعداء على قدر ما تجود لهم به الحياة وأكثر
وأن القدر يخبئ لهم - في الأزقة - ثمار ما بذروه بالأمس.

هم ليسوا كذلك؛
هم - فقط - يتجنبون الموت مرتين

احتياج





أحتاج إلى إلهام ولغة لأحرك عرائس الحياة

السوء



بعض السوء يورِثك اعتدال قامة
ينبت من الدمع زنابق
يربي أحفاد الكرامة
بعض السوء بكاء لحظة
ومَعين اكتفاء

لماذا تصمتون؟




نصمت لأننا نخاف
ولأن قلوب الآخرين صمّاء.
ولأننا فرادى
قلوبنا فرادى
أدمعنا جمعاء

نــداء ..........



أيها الماضي ابتعد؛
لو شجَّ الشارعُ قلبَ ذاكرتي
وأدمى الحنين ذراع الصبر
وثمَّ تفتَّقَتِ الحواس وانهزم الكلام
وغصَّ بعضي الأسمى ..
أكنتَ تعتذر للمسكونَ بالخوف
وتكف عن إيذاء صغار قلبه ؟

حتى لو



غلَّقْتَ الأبواب وقلت: كلهم سَموم
لو فتحت قلبك ما انطفأ.

كنت




وفّر حصاك، قبلك كنت أرشق كل الأشياء الحميمية،
الآن صَلَوني بهجرهم.

الحنين



الحنين .. الرعشة التي اعترتني قبل الغياب وأثناء الحزن الطويل
الحنين .. رجفة كفَّيَّ وأنا أسرق من ذاكرتي سورة الرضى ورأسي بين كفيك
ما الحنين .. إلا موقِدٌ ودرّاق وأنتِ .. لو لم يطوِ البعد سيرتنا

!



أطاردها كفكرة عصية
كأغنيةٍ تفتت بدؤها
وشرّد إهمالي المنتهى

الروف



خرج إلى العالم
شرّد طرقاته
ضيّق المسافة بين كونين

صغير مهذّب
غمز الشاسع المهيب الأرحب
دبّ الخوف في روعه
تفرّق واستصرخ

نظم الصغير قصيدة الطوفان
توارى الشاسع خلف الجدران
وحفر الأنفاق
وسكن (الروف)


هلوسه



مزدحمٌ بالفراغ، بهشاشية الكائنات
أتنبأ بموت قريب ينتظرني تحت الوسادة
جهّزت للفرح طاولة ..
طاولةً صغيرة
وكرسياً واحداً
وكأساً واحداً
وعلبة سجائر واحدة
وشمعتين
ومفكرةً صغيرة
وقلماً أزرقاً جافاً
وأغنية
كآخر احتفال لا نجم فيه غيري
تهندمت وتعطرت
جئتني بكامل زينتي
حلقت ذقني
ارتديت أجمل ملابسي
هذّبت من سلوكي
رسمت ابتسامة ودودة لي
أدرت اسطوانة
Leonard Cohen - Famous Blue Raincoat
وأذنت له بالبدء
وشرعت باستدعاء ذاكرتي
ناديت الموتى / رفاقي الذين سبقوني
اختصموا ..
قِسمٌ يحثني على الإسراع في المجيئ
وآخرون يحذرونني من قدوم يعقبه ندم
ثرثرنا عن الحياة السابقة
وعن الأخرى التي سأدركهم إليها
ضحكت
حزنت
غضبت
هيأت نفسي للإبتسام مجدداً
وحاولت ألّا أغتم

وأعلنت بدء احتفالي بالنهاية المرتبة كما يليق بي ، أو كما ظننت
وعدتني بنسيان ما استدبرت من أمري
وضعت جميع انفعالاتي في حقيبة وأسلمتها للريح
جززت عنق الضمير ووأدته
لففت أخطائي في ملاءة وألقيتها في بئر مهجور
أخطت شَفَتي وسددت أذني
تكوّمت بكلي داخل غشاء الأصوات في داخلي
أصغيت جيداً
توحدت بي

احتياج





أحتاج إلى إعادة النظر في الأشياء التي لم أهبها القدر الكافي من الإهتمام
بل أني كنت أستسخف مجرد التفكير فيها. وعلي أن أتجاهل تلك التي جعلت منها أشياء عظيمة،
في الوقت الذي ما كانت لتعدو أن تكون أكثر من أوهام تضخمت فاعتقدت بأهميتها مع كونها سخيفة وجداً

نصيحة

لا تقترب ؛ كي لا تنطفئ الدهشة

اكتشاف



النص صورة ذاكرة مشوهة
التقطته عدسة محترف
صاغته النوايا الطيبة
هذّبه اليقين

غريب



لماذا أخلّدك في صفحة لا تنام
تهجرني اللغة بعدك
يكنسني السيل
يلفظني الأنام
!

لــ رجمت معصيتي



لو لم أتوهم بأنك الحسنى،
وأنكِ شجرة النعيم
وأغصانك العُلا؛
لرجمت معصيتي
حين أيقنت بأن مثوايَ الجحيم ..
ومقلتاكِ

ضمير خائب



بعد أن قتله، قام بتأبينه، وبين دمعتي نفاق، لكز ضميرَه "الخائب" صوتٌ حانق:
دعِ الأرواح الطاهرة ترقد بسلام. لا تدنسها بعسلٍ مغشوش وذاكرة مزيفة.!

أخبرني



يا صدى ..
ماذا لو تجعد ضميرك غداً؟
أو جاءك يحبو هرِماً؟

ما عدتَ صغيراً
فلماذا يتضاءل همُّك، وأحلامك تكبر؟

بماذا تشعر؟
هل نقر الطقس الغابر رأسك،
أم قطّعت بطاقة عقلك،
أوتتبعت فلول السراب؟


نم ..
على ميقات وردة
أو عدم
!

سحقاً



هجرتني الفصاحة، لفرط ما استهلكت الكلام فيما لا طائل منه

إستكمالاً للرجل ذاته



الرجل الكذبة.. يتعمد الصفة، ويستعير قميصها ويدلّس حقيقة المنخل كي يواري الشقوق.
خلفه المزاريب والكروم والرياحين الملتفة، كلهم نائمون.
الرجل النار.. يتحملقون حوله، يشاكس الفراشات، يتوجس من شغب الماء.
الرجل الشيء.. تدك مطرقة الأوهام ذاكرته، تتجلى المستحيلات وكأنه المؤمن الأوحد.


الرجل الأكثر سخافة .. يرتاد الحانات التي تسكن الزوايا المنسية: هناك في منتهى الضيق

الرجل الصمت .. يبدأ بعد التنهيدة الرابعة وقبل النوم؛ يعرف سوءته ويمهر الظل بابتسامة لا مبالية
الرجل الاحتمالات .. يجُزُّ عقله محراث التفاصيل، يسرق العشب، ولا يكترث لنقرة الخصام

الرجل العلة .. مداه بين نقطتين، وحدها الأنفاس تطل على الداخل، يتفشى ولا يعبأ إن انصرم.

الرجل الخطأ .. بياقة بيضاء، ذنوبه باتساع حقل وأبعد قليلاً، قسَمُه المطر.
الرجل الزوبعة ... وقّع عقداً مع الموت وأسلم للرياح دفَّته،
الرجل البليد .. صلب الأحزان في قلب كفه، غطّس رأسه في النهر، صاغ للنوايا أمنيةً عقيمة.
الرجل النبع .. فاض واحترق.
الرجل اللاشيء .. لا شيء

الطين




يتفلت الوقت منك، ولا تغتم. تردد: الله محبة*، وتنفرط سلسلة الشباب المحموم: الخير محبة.
والعمر يسبق الفاصلة المنقوطة لانبلاج الضوء. والأيام الخمسة التي تتهاوى كأحجار (الديمنو): النور محبة*. وتؤمن بأن الهاتف الذي يأتيك كل ليلة لا يعدو أن يكون شبحك الذي دفعته مرغماً كي تجنّبه الأذى.
ويستصرخك: أمي، أمي، تهز رأسك ويسقط الصوت على صخر، تشير بيديك: لو كان أبي لأصبح النحيب قصيدتي.
تخطفك أنشوطة ذاكرة الحنين وتاريخ الموتى، لا عزاء للأحياء، وكأن الحبل السري ينقطع بالوجود، ويتخلق بالعدم.
ساءلتك أأنت حي؟
من الغياب أجبت: لا .. أدري!
أتدري أنك وحدك، والغياب، وأربعٌ: موعدكم الطين وراء الوراء.!

الحب



الحب الرأس مالي يشبه أن تقول - هي - لك:
- أسرقُني من انشغالاتي كي أكون معك.

ماذا يعني ذلك؟ لا شيء سوى أنكِ تقاربين بينه وبين الجنون، بل بينه وبين الموت. كان يجب أن يتم تشميع قلوب الفقراء حتى لا تبتلعهم هوة أمنياتهم، وكي لا يرتكبوا جرائمهم المنسية في لاوعيهم، كي لا يبذروا العمر في انتظار ما لن يأتي.

تنبيه:
إن كنتَ فقيراً فاحذر أن يخطف قلبك

حقيقة العالم




تحبطك بشاعة هذا العالم، نفاق الآخرين، والوفاء الذي يتسرب من بين أصابعهم.
أما أنا يحبطني عدم قدرتي على ارتداء الحذاء، لأن الجرح الذي في قدمي جعلها تعادي كل الأشياء
بما فيهم الأحذية، خشية أن ينز الجرح، ويتوجع رأسي.
لم يعد يعنيني شأن هذا العالم المجنون،
لدرجة أني ركلت عادة التسكع خلف ظهره،
ولا أغادر إلا مرغماً لأقوم بواجبات اعتيادية مفروضة مسبقاً.
القلوب الحية تحركها النسمات، وأما قلبي أعطب صنبوره منذ سنوات خلت،
بدليل أنك عندما أخبرتني عن موت فلان، تمتمت بالعزاء وكأن الموت مشوار ( للبقالة ) يقطعه أحدهم.
تلومني كوني لا أتعظ. هل إذا اتعظت سأغدو كائناً خالداً؟ وماذا سيجلب لي ذلك؟!
أنا سعيد بخياراتي المحدودة والقصيرة المدى، لا يشغلني التفكير بما سيحدث مستقبلاً.
ويبدو أنك لم تصدقني عندما أخبرتك بأني أسلمت أمري للريح تحملني حيثما تشاء.

نفكر بنا أولاً


لأني لن استطيغ تغيير الكون، وليس أكبر همي حدوث ذلك.
على العالم العمل على تغيير نفسه، وأنا وأنت جزء منه.
إن رأينا أن التغيير يصب في مصلحتنا، فلم لا نعمل عليه
بدون أن نترك الذاكرة والماضي يتحكمان في المسار؟

أحيانا لتغير عليك أن تهدم / تقوّض البناء.


العالم ليس أنا وأنت فقط، ومع ذلك علينا أن نفكر بنا أولاً

حلم




نعلم أن بعض الأحلام لن يتحقق؛ ومع ذلك ما نزال في حالة اجترار حلم !
قد يقول أحدهم: لو كففنا الحلم متنا.!
قل لي بربك: وهل أنت حي؟

قناع الأمكنة



بعض الأمكنة تجبرك على ارتداء قناع لا تحبه، ولكنك تفعل ذلك بغية التخلص من الجمود، وحتى لا تتأسى لصمتك الذي يورثك قدراً كبيراً من الكآبة المفرطة.

فيما لو كنت غير قادرٍ على البوح بأشيائك الصغيرة والكبيرة لأن الحقيقة مؤذية لك، قبل أن تؤذي الآخرين ..
هل كنت ستستعيض بقناع يقيك بعض الذى قد يجعلك تفكر ألف ألف مرة قبل أن تنفرج شفتاك؟

ربما.!

أسئلة



نطرح أسئلة لا نبحث عن إجاباتها
كمن يتلذذ بإثارة زوبعة فنجان فاح ( تِنِّينُه )
أو كأسماء نحبها ونشاكس حمرة شفتيها
يا ترى لماذا الصوت الأول يسرق زكاتنا
في اللحظة التي نغطّس فيها صوت المنطق في البئر العقيم؟

!

الأكثر سخافة

الرجل الأكثر سخافة .. يرتاد الحانات التي تسكن الزوايا المنسية: هناك في منتهى الضيق
الرجل الصمت .. يبدأ بعد التنهيدة الرابعة وقبل النوم؛ يعرف سوءته ويمهر الظل بابتسامة لا مبالية
الرجل الاحتمالات .. يجُزُّ عقله محراث التفاصيل، يسرق العشب، ولا يكترث لنقرة الخصام

تعريف



الخوف ألّا أخاف، فتصفعني الحقيقة، وتتكسر المرايا !

أقطعها كل يوم



بعد أن ابتلعته المفازة
دلّنا على طريقه الأثر
على الجدار كان إمضاؤه ..
أنا يا سيدي رجلُ يعتاش على الأحلام
والخسارات تشبه أرصفة أقطعها كل يوم

وأخبرتك



بستانك الذي أنكرني .. ذبلت ثماره
وأخبرتك أننا متنا حين نام الشوق وأحيتنا الظنون
وأننا رجع صدى العذريين،
أقمنا على البعد مسيرة أمنية وعلى إيقاع خِدر
نشري المكاتيب ونبتاع الكدر بأنفَس الأثمان.
ولو أننا كنا وكنا وكنا،
لما أفلتنا عقال الظل واحتمينا بالزوايا.!

مبرر


كانت تأكل بثدييها حينما تجوع، تعلل ذلك:
طاحونة الذل لن ترحمني، وأوقن بأن الثدي الذي أطعمني لن يغمّس في النار؛ الأطفال الذي سترت عليهم حجزوا لي قصراً في الجنة، والسيدات اللواتي آويت ضعفهن دثروني بدعوات خالصة أرسلها إيمانهم الفطري. عندما كنتَ تسخر بقولك: إن المال الحرام لن تطهره كل أفعال الخير التي قدمتها بقلب طاهر ونوايا حسنة؛ حينها عقدتُ مقارنة بين ما فعله ثديايَ، وذلك الذي قتل تسعاً وتسعين نفساً، وتساءلت: أيهما أعظم جرماً؟ خاصة وأنني قدمت من القرابين ما لا يقوى على حمله سوى الصادقون والنبلاء من البشر ، دون أن أنتظر جزاءاً من أولئك الذي أنهكتهم المِحَن، وكنتُ قارب النجاة الوحيد لهم. وإذا كانت المساواة في العقاب عدل؛ فلماذاً يجيئ كَيلي مضاعفاً، مع أن الشيطان الذي كان يكمن في تفاصيل* الأمس، لم يكن يصبو لأبعد من مرافقتي أثناء عبوري لخط المشاة. وأن المصير في القضايا الأخلاقية يتساوى مع فكرة أن أكون أو لا أكون، أن أتحول لأنثى بثدي ضامر مركونة في زاوية خشبية، أو أصبح ما أنا عليه تحت الضوء. وما بين أنثى النار وامرأة الحفر المهملة، يصبح الثدي سيد القرارات الحاسمة.

يا خدينة الريح



الماء يا خدينة الريح بدّد يُتم الجزيرة الصماء
أسكَن المَدُّ ارتجافاتها العشر
كشف الجزر عن ساقيها وعلّمها الشغب

آخر القصائد



يا آخر القصائد الممسوقة
فمي ترنيمة ، وهن أغنيات،
وأنا الذي صغتُ للسنديان أشهى لحن

إنا بخير وإن نأينا



كم صورة أحتاج لأن أرسم قبل أن تقفر ذاكرتي، ويشيخ القلب؟
وماذا لو قطّعني الطريق على شفا حلم؟
أنتِ الياسمينة، قلتِ:
اقتل من شئت وما شئت.

غطّستُ رأسي في الوحل عند أول منعطف
حجبتُ الشمس، وشرّدتُ غيمة

ولو سجنتُ عطركِ .. ما كفى.
ولو أني بكّرتُ في المسير .. ما وصلتكِ

حبستُ أنفاسي، ورعيت عزلتي بكفَّي عَزول
سممتُ المسافة - كما عودتك - حتى ينام شوقنا المفضوح
قولي:
إنا بخيرٍ وإن نأينا

ولكنها الأقدار




الكتابة ليست بالأمر اليسر على مثلي؛ غيري ربما يستطيع أن يكتب في اليوم الواحد مائة صفحة، أما أنا قد يستهلك مقطع واحد - كالأشياء الصغيرة التي هناك في المذكرة المشنوقة - ساعة من الزمن، والكثير من الرَّهَق.
أكتب ما أريده أن أجعلني أبتسم بعد قراءته، وهذا يعني رضاي التام عنه، وأدرك أني كتبت أشياء كثيرة لم تجُد عليَّ بذلك الرضى، بل البعض منها أهرب من قراءته كي لا أشتمني.
صدقوني لا استسهل الكتابة، وفي الوقت نفسه أعي أنني استعجلت التدوين في وقت كان يجب أجعله خالصاً للقراءة ليس إلا. حتى الإصدار الذي قد يرى النور قريباً؛ لا أخجل من القول بعدم رضاي عنه، ولو خيرت بينه وبين ما كتبته في هذا المتصفح، لاخترت طباعة المذكرة المشنوقة على طباعة ذلك الاصدار. ولكن هي رغبة صديق لا يُرد.
هنا كنت أكثر نضجاً وثقةً وتمكناً. ولكنها الأقدار تهب من تشاء ما تريد.

الكتب وما أدراك




بعض الكتب مؤذٍ بطريقة بشعة، للحد الذي يجعلك تلعن نفسك
وآخر يشبه ( الكلاليب) التي تشد ذاكرتك وينز منها الحنين
وأقساهم ذلك الذي يعريك ويصلبك في البرد فلا تملك إلا أن تهرب منه قبل أن يأتي عليك

عزمت ولم أفعل




كنت قد عزمت على إكمال المقطع السابق ( الرجل الكذبة..)
ولكنني أصبحت شحيحاً في الكتابة، أعزو ذلك إلى ركوني للقراءة.
في غمرة القراءة مرجل رأسي يغلي، والأفكار تفور، والمخيلة تشد السحاب.
أتوقف عن القراءة فتتجمد الأفكار،أحاول مراوغتها،
كأن أقفز من فوق السرير وأباغت سبات دفتري وأدوِّن الفكرة قبل أن تهرب.
تقلقني ذاكرتي الخريفية التي لا أستطيع التحايل عليها؛
فأعاصير النسيان أشد ضراوة من كل محاولاتي البائسة.
ماركيز كتب"عشت لأروي"
هل هناك من عاش ليُروى؟
أسفل الصورة الرمزية عبارة (ما سيكون)
إذن لم أكن بعد، ولكن ماذا سأكون؟
أستطيع أن أكون (عاش ليُروى)، ولكن الأمر أعسر من مجرد شطحة خيال.
عليَّ أفكر بصيغة (كيف سأُروى؟)
لا أعدكم بأني سأخبركم بذلك، ولكنني أعدكم بأنني سأُعمِل فِكري.

أنواع الرجال




الرجل الكذبة.. يتعمد الصفة، ويستعير قميصها ويدلّس حقيقة المنخل كي يواري الشقوق.
خلفه المزاريب والكروم والرياحين الملتفة، كلهم نائمون.
الرجل النار.. يتحملقون حوله، يشاكس الفراشات، يتوجس من شغب الماء.
الرجل الشيء.. تدك مطرقة الأوهام ذاكرته، تتجلى المستحيلات وكأنه المؤمن الأوحد.

سحقاً



ماذا تغير بين عمرين؟
لا شيء، سوى أن الخوف استفحل
ولما يشِخْ،
ولكن القلب الفَتيَّ يعاند سنديان العمر القادم
مبلَّلٌ بالحياة، يرتاد الحانات بعد أن هجرها الأشباه
كصبوة جاهل يقفز من تل ويتلقاه جذع هرِم
أو نونٍ جائعٍ يبتلع الرمل

الوحده





الوحدة قد تكون ضريبة يتم دفعها مقابل كل الصخب الذي أفرغ الروح
حتى ونحن معهم تغمز ذاكرتنا، وتنشب أظافرها، وتطوقنا مراياها

!






أنا الآخرون، وحدي أنا !!

كتبت إليه




كتبت إليه بعد لؤلؤة وحلم ..
للشوق انهمارات أشد من اندفاع السيل، وشوقي إليك كنهرٍ يفيض
وأوقن أنك لم تفطمه ولن يرتخي وثاقه
وأنك ستدير بوصلة ذاكرتك تجاهي
حينما تحسم مواعيدها الموقوتة
كما تريدها أنت/ كمواسم الحصاد
ومع ذلك أشتاقك قبل القطاف، وحين تثمر، وبعد أن تنضج أيضاً

ولو بعد حين



لم أخبرك بأن هذا الكون على اتساعه ليس إلا ثقباً صغيراً
وأن المخدر الذي نعتاش منه لوثته الأمنيات الكاذبة

الحقول الجرداء حتى الجراد بات يخشى المرور بجوارها
ومدينة الوهم تضخمت أثداءها
وأنتِ؟
أنتِ الأغنية المهاجرة سكنتِ حنجرة الغياب

وأنا طائرك المغرّد خطفني نسر جائع
أسلمني قمة جبل اعتاد صفعات ريح عاتية

والزمن الذي عفّر ذاكرتي وسط خرائب النسيان
ما استطاع محو دمامل الأسى خشيت أن تنزّ فرحة مسروقة على شاكلة قبلة

فلا عليكِ ولا عليّ ..
الزمن ذاته سيدمح كل أشيائنا المرهقة ولو بعد حين

حالة حب !



اشتقت أن أقول صباحك خير صباحك أنا
صباحك غفوة ضميرٍ مؤذٍ
صباحك
صباحك سهرة العليم بأحفاد قلبه الكبير
يسرحون بلا تقطيبة الجبين
أو نذير يقلق براءة أعينهم الجميلة
صباح سمرة عاشقين بلا عذول
صباحك عتب الحقول و دِلِّ غيمة يمنعها التشهي
صباحك أنت حين تكون أنا

انسان يائس



قال لي:
ليس هناك ما يبهج..
القراءة، الأفلام، الموسيقى، الجنس، اجتماعات الأصدقاء
كل ذلك أصبح فعلاً روتينيا يخلف بعده كومة فراغ مؤذٍ.
لم يبق إلا التأمل، لولاه لأصبح العالم كئيباً والحياة فزّاعة.
صديقي يرى الكون بمنظار ضيق،
كلما سقط مرة انزوى وضاقت الرؤية
الماضي يؤثث ذاكرته، يقول:
اليوم غشاوة، والضباب غداً، حلمٌ مخيف، ذراعاه تطبقان علي، لا فكاك، لا فكاك.
بالأمس كنت طيراً، واليوم شبحٌ يتهادى. رغيف القلق ابتلعه في أربع قضمات ووحدي أفعل ذلك ..

وبإيماءة مني ازدرد بقايا حديثه،
وبأخرى منه ركبتُ أول الطريق مبتعداً عنه

ما آلوا إليه !




حينما مَرَدوا على الحزن ، سرق الماضي ذاكرتهم

هذيان



وكأنها خفرات الوحدة بين انغماس كلي في الشيء والشيء الأوحد بينه وبينه
وبين العلو داخل ركام الوهم،
في تلك المسافة المشدودة بين الأنا والأنا.
في الزحام المباغت وسيل التوحش المتدفق ساعة يقتلعه من بين الجموع
بين الصمت المستديم وشغب أظافر الكلام الذي لا ينتهي والشفتين اللتين لم تنفرجا

الأعين التي تتلصص عليك




التميز أحيانا يكون عقبة، أحياناً تتمنى لو أنك ذلك الرجل العادي الذي يسير بين الحشود ولا يلتفت إليه أحد.
يحدث أنك تريد أن تقول شيئا عادياً، نكتة، أو تشتم بكلمة بذيئة ربما، أن تصرخ، أن ترقص ابتهاجاً من أجل شيء ما، تريد كل ذلك، ولكن تلك الأعين التي تتلصص عليك، وترى أنك شيئاً غير عادي مثلهم، تجعلك تزدرد كل أشيائك الصغيرة وتلعن تميزك في تلك اللحظة التي احتجت فيها ألّا تكون، ولم تستطع.!

صندوق الذاكرة



طالما أني شعر أني بخير، وأن مثل هذه الأجواء يندر أن تتكرر، سأخبرك يا صديقي أنني في هذه اللحظة:
أشتم الحقيقة، وأصب حنقي على المثاليات والأشياء الكبيرة التي تراقب خفراتي،
والظن السيء الذي يلكز انتباهتي ، والشك - ذلك الرفيق الممقوت - الذي ما يفتأ يدير بوصلتي تجاه أشياء سقيمة اعتدتها بفعل التقاليد، للحد الذي جعلني أغذي أمنيات السلام برجاء متكرر، كمعدم ينشد رشفة ليس إلا.!
يبدو أن العمر السابق سرق كل المجانين الذين خبأتهم في صندوق الذاكرة الغير أمين، فأضحت كل الطرق تؤدي إلى الخوف أو الغياب

من أشتاقها !



من سواك يعلم أني أخطف من الذاكرة أغنية تشبهكِ ليتبخر وجعي
ويعرف أني بمنفاكِ أطمس خارطة الحزن وأنقر رأس القلق
وأني أدير ملامحك حيثما يمَّمت فيهزمني زفيرك
وأشتاقك.

أعبُّ من أنفاسك
وأشتاقكِ
يلفحني الصدود ويفتتني الصبر
وأشتاقكِ

يا أنتِ التي بلا ترياقٍ
لملمي جزعي

يا أنتِ من أشتاق ..
ليتكِ تكتبين بمداد الحلم أمنيةً:
لو يأتِ حافياً منهن؛
أسجنه بين ضلعين كآخر قصيدة يتيمة
لو يجيئ فارداً ذراعيه؛
احتويه كأنثى الخوف تبدد روعها


يا أنتِ من أشتاقها
ما أنا؟
!

والصبح اذا تنفس



ما كذب الصبح، تنفس:
بصوتك حين تفر نباهتي
بياسمين كفَّيكِ يؤز الحواس
الضوء الشارد من عينيكِ يشطرني
بفعل السحر من شفتيك /
تينك التنهيدة ما قبل الأخيرة

الذي أصبح وصياً





"سبعون ألف متشرد يتلقون طعاماً من أحد المطاعم مجاناً في بولندا*"


سألت صديقي:
- ما الذي يدفع صاحب مطعم في بولندا الدولة الإشتراكية لتقديم طعام بالمجان
لهذا العدد الكبير جداً من المشردين؟
وبدون أن يعمل فكره أجاب:
- لأنه إنسان، يشعر، يحس، يتفاعل، يتألم، ولأنه إنسان أيضاً.

صديقي الذي لم يعتد يكترث لشيء، منذ أن أسرج خيول ذاكرته،
أصبح رفيقاً للأحداث القديمة، يربط وثاقه مع الماضي.
أحيانا أعتقد بأن آلة الزمن حقيقة موجودة عنده وحده، وصدقت بأنها سرّه الذي
لم يطَّلع عليه غيري، وتجنبت إذاعته في حضرته.
من ورقة قديمة كانت محشورة داخل محفظته أخذ يقرأ:
(أستطيع أن أقول لكم أنني فكرت في قتل أحدهم - أي أحد - ولكنني
لم أجرؤ على القيام بذلك؛ ليس خوفا من الموت، بل لأني لا أريد
أن أقضي بقية عمري في سجن حقير، يحكمني نظام يقيد من حريتي
وإن كانت حرية على مقياس سجن كبير، كما قد يتراءى لأحدهم ..)

قاطعته:

- تلك حريتك كما يسيّرها ماضيك ..
طوى الورقة وأعادها حيث كانت، وأكمل مرتجلاً:
- هذه الفكرة انسلت مني عندما لم تجد عزيمة تضعها موقع التنفيذ.
وكي لا تتحول الأفكار إلى أمور عبثية لا جدوى منها؛
فكرت فيما لو أنني اشتغلت بالتدبر؛ كم شخصاً سوف أكتسب عداوته؟
فأنا حين أفعل ذلك، لا بد بأنني سأجوس عميقاً ، في ملامحهم، أماكنهم
طرائق تفكيرهم، كتاباتهم. وحتى لا يذهب ذلك التدبر سدىً
يتوجب علي أن أكون صادقاً مع الجميع، على سبيل المثال:

ذلك الذي خلق بأنفٍ كبير

لماذا هو كبير إلى هذا الحد المرعب؟ لا بد بأن خلف ذلك الحجم عقوبة
قد تكون مستترة أو لا تكون، وحينها قد يؤذيه سؤالي وكذلك تحليلي هذا.
وقس على ذلك المكان وطرائق التفكير والكتابات.

ضحك بسخرية وقال:

الكتابات.! هل كنت أدور لأصل إلى هذه؟
- ..
- إن كان أحدنا لا يجيد الكتابة، عليه ألّا يكتب كي لا أقرأ ،
لأنني أفترض أنه لا يفكر، ومن لا يفكر كيف يستطيع الكتابة؟
وأيضا خياله محدود ، ومن لا يمتلك مخيلة باتساع الكون
يتوجب عليه ألا ينبري لها.
فهو عندما يكتب (يوسّخ) المكان، سوى كان على ورقة أو حتى على جهاز الكمبيوتر.
والأدهى من ذلك أنه سرق من وقتي الذي لن يعوضني عنه بالمقابل الذي يستحقه.

أظن أنني شاهدت شبح ابتسامة حزينة على وجهه قبل أن يتندر:
- وإن كان وقتي غير ثمين إلا أنه أهدره بشكل يؤذيني.

لم أتعجب حينما أدركت بأن الإنسان الذي هو قضيته،
هو ذاته الذي تجاوزه بلا إيماءة،
هو من خلّفه وراءه يعيد طلاء جدران ماضيه





* مشهد وخبر في إحدى القنوات