يعوي عارياً



كانت تبكي وكنت محصوراً . نسيت بأني كنت أقتلها. نهضت مسرعا
وشعرت بألم شديد فاضطررت لأن أتكئ على الجدار حتى وصلت إلى دورة المياه، راعني بعدها اللون الأحمر. غادرت بعد ذلك دون أن أخبر بشرى. الذعر الذي أصابني فتح لي منفذاً واحداً يشبه الهروب من الموت. اتجهت من فوري إلى العم سعد، ذلك الكائن الغريب، الذي أمقته وفي الوقت نفسه لا بد أن أعرج عليه أكثر من مرة في اليوم الواحد، ولا أعلم لماذا.الطريق إلى منزله يأخذني عبر أزقة ضيقة وكلما اقتربت منه أشعر بتسارع خطواتي وكأن قوى خفية تجرفني نحوه حيث يسكن آخر الحي، كأنه اختارأن يكون البدء منه والمنتهى إليه .كعادتي أركل الباب بقدمي , لم يصدف أن وجدته مغلقاً، أدخل إليه بدون سلام وأتخذ مجلسي بعيداً عنه وأمسك ( بالريموت ) الذي أجده دائما حيثما أجلس، لا أدري إن كان هو من يتركه لي هناك بعد كل اتصال أجريه معه أخبره فيه بمقدمي أم أنه لا يشاهد (التلفاز ) . كالعادة، يبدأ ثرثرته حول ماذا فعلت وأين ذهبت ومن التقيت، وأجيبه كعادتي بإيجاز، وأتركه بعد ذلك يملي نصائحه أو يعود بذاكرته لمواقف شبيهة بتلك التي حدثته عنها، أو يسرد علي بعض حكاياهوحينها أكون انشغلت عنه بتقليب القنوات. في غمرة متابعتي لأحد البرامج انتبهت إلى صوته وهو يقول:
- أعلم بأنك ستعود، ولكن ليس قبل أن تنبت في عقلك شجرة الخطايا.يا بُني طينتك طريّة لم تختبر بعد، الشر هو أنا وأنت. إذا لم تنغمس في الشرور لن تستطيع إدراك معنى أن تكون حياً، لن يمكنك فهم المعنى الحقيقي لكلمات مثل أعيش وأتنفس، لن تفهم معنى أن تتخلص من خوفك، وتخلع جلدك الذي ورثته من دون خيارات متاحة، وأن تعود روحك إلى الأصل بعد ذلك، إلى فطرتك ، طينتك الأولى، معدنك الحقيقي ..
كنت أستمع إليه واسخر من شعوذته في قرارتي، وأنحي باللائمة على الخرف الذي يبدو بأنه وجد له مستوطنة يتسكع فيها داخله.تململت وطرقعت أصابعي وأخذت ( أمزمز) بشفتي. تعمّدت أن يلاحظ كل ذلك ليعفيني من محاضرته المملة، أو هكذا توهّمت، ويبدو أن فطنته وجدت طريقاً آمنا من بين أزقة خرفه لتتسلل منها، فلقد بتر حديثه في وصفه لِكُنْه طينتي واعتذر مني على الوقت الثمين الذي ترّمد في حضرة شيخ كبير.تبسمت له وأرسلت عدة كلمات شكر واعتذار سريعة ومبهمة وأنا أتجهز للوقوف وعيني تتلصص على الباب بجذل لم تستطع محاولاتي - غير الجدية في مجاملته - إخفاءه.عندما غادرت أخذت أتهكم من اعتماد كبار السن على خبرتهم في الحياة، واستدعيت المقولة التافهة ( أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة ).يهمني ألا ( يتفزلك ) أحدهم ويجعلني أجلس القرفصاء أمامه ليمارس أستاذيته علي.توجهت إلى المقهى حيث ينتظرني صديقي ماجد. عندما أخبرته بما دار بيني وبين عم سعد، وطريقتي في الهروب منه،نظر إلي باستغراب وسألني:- لماذا هرعت إليه إذن؟- لا أدري. - ..- بصدق لا أعلم لماذا ، ولا تنظر إلي هكذا. ربما أردت أستمع إلى صوت آخر فقط. ولكن ليس أي صوت.تعلم بعد أن تركت بشرى داهمني هاجس موحش وشعرت بفكي تنين يلهبان قفاي، وأكثر من ذلك أصبحت أخشى دخول دورات المياه، ينتابني شعور بأنني سأموت في إحداها،لذا لن أدخل إليها إلا للضرورة القصوى، وسأترك الباب مواربا، وأحاول أن أنتهي بسرعة كي أغادرها قبل أن يحدث لي شيء مما أخافه، وذلك الشيخ الطاعن في السن يريدني أن أنغمس في الخطايا كي أميز بين الأشياء.لا يعلم بأني أعيش في مستنقع، تحيط بي القاذورات من كل جانب.أي خطايا تلك التي يريدني أن أتنقع فيها وأنا الذي يقيم مجبراً في وسط الوحل؟- لا يبدو أنك بخير، هل جربت زيارة استشاري نفسي؟- الاستشاري حقيقة. ويخالجني شعور بأن مثل هذه الحقيقة لا تكون منطقية في أغلب الأحيان، هي ليست إلا شفرة حادة يتم استعمالها بشكل سيء، أي أني لن أصل معه إلى نتيجة مرضية لي، سوى تغذية شعوره باستحقاقه للقب، وهنا يكبر وهمه وتصغر ذاتي، ولا أريد لهذا أن يحدث. اعتبره نوع من الرفق.
أتذكر سؤالاً شاكسني فيه عم سعد:- حينما تسعى إلى الموت بقدمك ويرفض تطوُّعك، هل يعني ذلك بأن الحياة تتمسك بك وتحب وجودك أم أن الموت يراك أحقر من أن يقبل بك في ذلك الوقت، ويفضِّل أن يخطفك في وضع لم تكن مهيئاً فيه لاستقباله؟ لاحظ أني أخشى الموت في كل حالاته ومع ذلك من الجبان هنا.؟وجدتني أجيب بدون تفكير:- ربما لا أحد.!- ربما.
نهضت وتركت ماجد ورائي يكمل ( المعسل) وعدت إلى الشيخ لأجده منكباً على وجهه يعوي عارياً وعندما رآني أخذ يضحك بشكل هستيري. أخذت مكاني بجواره وقمت بتقليده وأخذت أضحك مثله .

عذت بالصبر من الجنون




كم مرة تحسستُ ملامحك في ذاكرتي وسمَّمتُ المسافة كي أنتهي معك كما بدأت عذت بالصبر من الجنون وضياع الأنا المختوم تاريخها بين كفيك طرقت نافذة تاريخنا وأحرقت شجرة النسيان لأعاقب التقصير بجرعات إدمان طويل كي لا ينام هلعي المخايل لنا كشبح يتحين فرصة كي يتسلل ليخطف أحدنا أنصَتُّ لنداء الموت وتجاهلت بأن هناك متسعاً من الغرق في حياة لا تكون جميلة بدونك حتى وإن لم تتعد اللحظة أخبرك فيها بذلك أحب أن أحبك كما أنتِ وكما أنا حين تتحسين وجودي بين ضلعيك

حيَّ على الوهم



إفقأ عين الحقيقة كي لا يغادرنك الوهم أنت واهم يعني ذلك بأنك إنسان يعرف قدر نفسه جيداً ووضعها حيث يجب أن تكون.الوهم استدرار لمتعة التحليق داخل النفس المشردة.الحشاشون يقولون ( الكيف وهم ) في نفس الوقت ندرك جميعاً بأنهم يستشعرون سعادة مؤقتة، وخدر لذيذ، ونعلم - ويعلمون - يقيناً - بأن كل ذلك محض وهم، ومع ذلك يفتشون عنه ويسيرون إليه بمحض إدارتهم، أو حتى مغيبين تحت تأثير الحاجة ( المزاج ) ، وسمّه إدمان – لا يهم – مع أنهم سوف يهاجمونك لو اتهمتهم بذلك. مسيرة الوهم في حد ذاته تعفيك من ضغوطات متعددة، وتقيك من جرعة إحباط مستفحل قد يؤدي بك إلى اليأس أو الجنون وربما الانتحار أو ارتكاب جريمة في أسوأ الحالات،وبدون الوهم قد تتحول إلى حاقد وناقم على كل الأشياء من حولك مبتدئاً بك وحتى آخر الأسباب التي أوصلتك إلى تلك الحال.الوهم الحياة البرزخية المختارة التي تنشئها على طريقتك وكيفما سوّلت لك نفسك دون أن تؤذي غيرك – فيما لو سلّمنا بوقوع الأذى عليك جرّاء تماديك في قطع أشواط بعيدة منه وبشكل روتيني ومستمر- .لو لم يكن للوهم فائدة سوى أنه يباعد بينك وبين السقوط الفعلي بسبب رضوخك لنكاية الواقع الذي جاء معانداً لبلوغك ذروة أمنياتك المستحيلة بعد تحقيق الأسباب؛ لكفى بأن تقول:حيًّ على الوهم

كأشجار الخريف




يموت النبلاء كأشجار الخريف يدوس المارة أقدس أجزائهم دونما اكتراث أرواحهم تكنسها (سيارة البلدية) يضطجعون في مرمى القمامة، منفاهم الذي يعرف مقاس جنونهم جاؤوا ليرحلوا بكرامة مشروخة وفكر موبوء زمانهم لعنة دائمة ، وصدى أصواتهم صرخة فزعٍ مقيم

ما بعد الثلاثين




مشكلة أن تصطدم ذاكرتك بأشياء مرهقة تجعلك تفكر في الـ ما بعد خاصة وأنك تمارس الهروب المتقصد كي لا ينز جرح أو تسقط دمعة أو يعتريك الخوف من المجهول وكلما كبرت يوماً - وليس سنة - تفاقم جزعك وانسللت من الرفاق خلسة وكأنك ترسلهم إلى الجيحم قبلك ليعدوا لك متكأك. مرهق أن تعيش وحدتين في عالمين مختلفين، وحدة سعيت لها وأخرى خطفتك مرغماً.أظن أن ما بعد سن الثلاثين أسوأ عمر ( يغطّس ) رأسك في قلب الخوف ومنتصف التيه، فلا أنت ولا أنت .!

أغص بالشوق



يا أصدقائي الأوغاد ..موتوا قبل أن أغص بالشوق وترمد الذاكرة