عزلة الأصابع




قبل سنة كانت تلتف يدي لتطوق خصرها واليد الثانية تعبث
بأزرار (الجوال) لأرسل رسالة لأخرى تحفظ أصابعي مقاس خصرها بدقة
في الوقت الذي تتكئ هي برأسها على كتفي وتثرثر
في الوقت نفسه استدعي صوت تلك الأخرى
أما هي فقد كنت أمعنت في نسيان خصرها وعلمت يدي النكران
أحياناً كانت تكتفي بالإيماءات، فلا شيء يستحق تبذير الكلام
عققت خصرها وهجرني صوتها

الأخرى كانت تعبُّ من عزلتنا لتنشيء مدينتها
كلنا يؤثث عزلته بهدوء
أجسادنا تواطأت معنا، لم يعد يضمنا سرير واحد، كلٌ منا ينام في غرفة مستقلة
طاولة الشطرنج هي المقبرة الوحيدة التي تجمعنا ثلاثتنا
لا أتذكر بأن الترتيب اختلف ، هي تهزمني وأنا بدوري أتغلب على الأخرى
تعودنا كل يوم جمعة نجهز غداءنا ونتجه للحديقة، في الذهاب هي من يركب بجواري
والعودة تستحوذ الأخرى على المقعد وبترتيب مسبق بدون أن يتفوه أحد
تم الأمر هكذا باتفاق مبطن لم نصرّح به
عندما تغادر إحداهما المنزل لأي سبب كان، أذرع الشوارع على غير هدى
حتى تعود، كي نعود معاً
عندما يشعران بأن الصمت يكاد يفتك بهما، يبعثان إلى برسائل على
الجوال، أو نتحدث عبر المسنجر، بكلمات مقتضبة، آخر محادثة كانت الفيصل لكسر جمود العزلة المفروض طوعاً، بعدما شقت - هي - قميص صبرها
- متى
- لا أدري
- لم
- لا يهم
- أها
- ..
- إن ذهبتُ لن أعود
- إن ذهبتِ لن أعود أيضاً
- وهو كذلك
- وهو كذلك
عندما استبد بها القهر كتبت إلي:
( أنت رجلٌ أناني تعقد صلة وثيقة مع الماضي تنسى أن حاضرنا لن
يتكون بدون أن تهيل التراب على ماضيك ، فمتى ستفعل؟)

أحلت رسالتها إلى الأخرى وذيلت تعليقي أسفلها:
- هل تعتقدين بأنها أنثى فارغة؟
ردت علي:
- أنسيت بأنك قد مت العام الماضي، فلماذا لا تطلقني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق