شهقة أحلام

فكرة النص لـ / عبدالغني الأنصاري.


الشارع الذي تطل عليه العمارة التي أسكن إحدى شققها، يعتبر من الشوارع الحية التي لا تموت صباحا ومساءً، الحركة فيه دؤوب على مدار اليوم، باعة ومتجولون وأولئك المتسكعين الذي يتخذون لهم مكانا على (دكة) أحد المنازل يثرثرون , يعبثون، وأكثرهم عاطلين العمل، لشح الوظائف وإهمالهم لدراستهم. أظن أن أحلامهم لا تتعدى أقدامهم، كل ما يشغلهم تلك المستديرة، وكيف يصبحو لاعبين مشهورين في أفضل الأندية.

في الخامسة من كل مساءً أنطلق مباشرة إلى النافذة،
جارتي الجميلة أحلام تكون هناك تتكئ على نافذتها في ذلك الوقت،
ولا بد أنني سأحظى بقرابة نصف ساعة للتلصص عليها وتأمل فتنتها،
وهكذا أخذت أرسم مساراً لحلم يشبه اسمها، وجنة موعودة معها.

ذات يوم انتبهت على شهقة وربما صرخة مكتومة،
التفت إلى الجهة التي تنظر إليها ، كان زيد ابن جاري أحمد يعبر الشارع، ويبدو أنه داس على بعض قطع الزجاج المتناثرة التي ألقاها أحد المتسكعين، وتسببت في إيذائه، ولأن مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد، فقد طال مكث أحلام على النافذة تراقب زيد وهو يتألم،
والدم يسيل من قدمه، خاصة وأن منظره وهو يعرج كاد يفتت قلبها،
ولسان حالها يشتم أولئك المستهترين الذين يلقون بالقوارير الفارغة من دون أدنى مراعاة أو ضمير، و"من أمِن العقوبة أساء الأدب"، وأنا بدوري أتمعن في ملامحها، فوق الوقت المسموح لي، كما أفعل كل يوم، وأقطع شوطأ ممتعاً في استدرار الحلم.

بعد ذلك اليوم بأسبوع جاءت أختي سناء تركض وعلى وجهها أمارات الخوف الحزن،
لتخبرني بأن أحلام نقلت إلى الحجر الصحي، للاشتباه بإصابتها بمرض (أنفلونزا الخنازير).
تداعى إلى ذاكرتي منظر لأحد العابرين قبل ثلاثة أيام حينما ألقى بمنديل مستعمل،
وكان من سوء الحظ أن جاء سقوطه تحت نافذة أحلام، ويبدو أن صاحبه هو من تسبب لها في العدوى، وأخذت أحلل كيفية حدوث ذلك ..
فذلك المنديل الذي سقط، أصابته الشمس ولابد أن الأرض كانت رطبة فتشبعت منه التربة، وانبثعت غازات والتي بدورها امتزجت مع الهواء، وصادف وقوف أحلام على النافذة فاستنشقت ذلك، فأصيبت بالعدوى.

ولأن الأخبار السيئة تأتي تترى، فلقد تناهى، إلى مسمعي بأن زيد
قد أصيب بشلل في رجله اليسرى، وأردف الذي أخبرني بذلك ..
ويبدو أن هذا جراء إهمال أهله لحالة قدمه منذ دخول قطعة الزجاج فيها.

والمفارقة في الحدث أن الشلل أصابه بعد آخر يوم رأيت فيه أحلام وهي تشهق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق